الخميس، 30 ديسمبر 2010

بلد المليون شرطي.. !!!



لئن كان الأمن مطلبا ضروريا وحاجة أساسيّة يجب توفيرها وإشباعها من أجل استقرار المجتمع وتطوره وتنميته وازدهاره.. !، إلاّ أنّه عندما يتجاوز هذا الإشباع حدوده الطبيعية و المعقولة والضرورية فإنّه قد يصبح نقمة وبلاء بل كارثة على البلاد والعباد..
وأنا أعرف بلدا عربيا متوسطيا لا يتجاوز عدد سكّانه بضعة ملايين . إلاّ أنّ عدد رجال الأمن فيه، (فرقا وتشكيلات وإداريين)، ربما تجاوز المليون عون.. ! 
ولقد أدّت هذه التخمة الأمنيّة بهذا البلد إلى الشقاء والفقر والتبعية وغيرها من الآثار الكارثيّة والمضاعفات..
وبلغة الأرقام: إذا كان متوسط الراتب الشهري لعون الأمن في هذا البلد يبلغ حوالي (500 دولار أمريكي)، فإنّ مجموع رواتب الأعوان يبلغ (1مليون x 500 دولار= 500 مليون دولار شهريا).ويكون المجموع السنوي (6 مليار دولار).
وإذا أضفنا إلى ذلك المصاريف المختلفة لهذا القطاع (من مركبات ومستلزماتها،وأبنية وتوابعها،وطاقة وغيرها)،فإنّ هذا الرقم ربما قفز إلى (10 مليار سنويا).
وإذا علمنا بأنّ موازنة هذا البلد لا تتجاوز (30 مليار دولار) في أحسن التقديرات، فإنّ حجم المفارقة يتبيّن بوضوح... !!!
وبالنظر إلى كون الأمن يُعدّ من القطاعات الخدماتيّة غير المنتجة ،فإنّه يعتبر عبئا ثقيلا على بقية القطاعات المنتجة (كالزراعة والصناعة).
وهكذا يتجلّى حجم الكارثة حيث أنّ ما يتبقى من الموازنة بالكاد يكفي لتسيير مرافق الدولة المتبقية، ممّا يضطرّها للتداين ثم التداين لسد العجز المتراكم في الموارنة.
وإذا علمنا بأنّ إعادة توزيع الدخل القومي أو الوطني في هذا البلد، تخضع لاعتبارات خاصّة، حيث تستأثر فئة قليلة من الناس(ربما لا تتجاوز نسبتها واحد بالمائة من مجموع السكان)، على ما يقارب من (سبعين بالمائة من الدخل العام). فإنّ البلاء الذي يحلّ بهذا الشعب المسكين، الواقع بين مطرقة الأمن وسندان الفئة التي تمتصّ جهده وقوته، يصبح كارثيا.. فيعجز حتى عن التعبير عن وجعه،بسبب خوفه من بطش هذه الطغمة وغطرستها..
وبين ذين وذين تتواصل التغطية الأمنيّة الشاملة لتقضي على أي محاولة للخروج من هذه القبضة الحديديّة،باستعمال واستيراد كافّة السبل والوسائل (المشروعة وغير المشروعة)، ومنها الإرهاب والحرب الإستباقيّة عليه وهو أحد أهم مبتكراتها بل وخدعها.. !!
وأمام تصاعد حالات التذمّر والتململ والغليان الشعبي المتصاعد، فإنّ رد الحكومة العتيدة، يكون بمزيد من الانتدابات في قطاع الأمن والشرطة.. !!
وهكذا تصبح المعادلة على الشكل التالي: تغطية أمنية شاملة تؤدّي إلى  مزيد ثم مزيد ثم مزيد من هذه التغطية إلى ما شاء الله.. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..



الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

نبراس: أضواء على النهضة الحسينيّة

نبراس: أضواء على النهضة الحسينيّة: " و يستمر الحديث عن كربلاء.. فبعد دراسة الواقعة في إطارها التاريخي، و تسليط الضوء على الظروف الممهدة لها.. نحاول في هذه المرّة دراسة ا..."

أضواء على النهضة الحسينيّة


و يستمر الحديث عن كربلاء.. فبعد دراسة الواقعة في إطارها التاريخي، و تسليط الضوء على الظروف الممهدة لها.. نحاول في هذه المرّة دراسة الواقعة نفسها بأكثر ما يمكن من الدقة و العمق والشمول. وإن كانت الإحاطة بكل الجوانب و الحيثيّات غير متيسرة بل غير ممكنة سواء على الصعيد الذاتي أو الموضوعي..
و لا نبالغ إذا قلنا بأننا لم نعرف بعد عاشوراء الحقيقية، تلك الواقعة التي ليس لها نظير في تاريخ البشرية، وهي أحد مصاديق قوله تعالى : " إني أعلم ما لا تعلمون.."
كما لا نبالغ إذا اعترفنا بأننا لم نعرف و إلى حدّ الآن شخصية الإمام الحسين(ع). تلك الشخصية التي عزّ نظيرها، و التي تجلّت بجميع أبعادها و عظمتها في يوم عاشوراء..
 وهذه الدراسة المتواضعة تأتي كمحاولة بسيطة للتعرف على هذه الشخصية المقدسة و الاستثنائية، و للتعرف على ملحمة عاشوراء، تلك الملحمة الإنسانية الخالدة التي كانت و لا تزال مثار الاهتمام و الإعجاب و الاعتزاز على مدى العصور و الدهور..                            

 مخطط البحث:
1- تمهيــد:
        - الوجه الناصع من كربلاء
        - الروح الكبيرة للحسين(ع)
        - الحسين(ع) ولد قبل زمانه
2- مدخـل:
        - التفكير في الثورة
        - فتنة بني أميّة
        - وقفة مع يزيد الشاعر
3- الفصل الأول: بداية الحركة الحسينية
         *  بداية التحرك
        - الخروج إلى مكّة
        - الحسين في مكّة
        - إرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة
         * في الطريق إلى كربلاء
        - تنعى إليه نفسه
 4- الفصل الثاني: "مناخ ركاب و مصارع عشاق" الحسين (ع) في كربلاء
         بين ابن سعد و ابن زياد
        *  دروس من كربلاء
        *  صور و مشاهد حيّة من كربلاء 
        * النزاع حول مسؤولية قتل الحسين (ع)
 5- الفصل الثالث: دوافع الحركة الحسينية و غاياتها و نتائجها
         * نهضة متداخلة الأبعاد
         * دعوة أهل الكوفة
         * الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
         * قدسية الحركة الحسينية
         * شعارات كربلاء
         * حول نتائج الحركة الحسينية
         * حول موقف العقلاء من التحرك الحسيني
         * حول الشهادة و الشهداء
 6- الفصل الرابع: إحياء عاشوراء
       * إحياء عاشوراء
       * كربلاء لوحة فنية خالدة
       * حول التحريفات

***************************

1- تمهيــــد:

<< وَ إِذْ قَالَ رَبّك للملائكة إِنى جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسفِك الدِّمَاءَ وَ نحْنُ نُسبِّحُ بحَمْدِك وَ نُقَدِّس لَك قَالَ إِني أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ  >>(1) 

* الوجه الناصع من كربلاء :
في البدء يجب الاعتراف بأننا نجهل الكثير عن عاشوراء، لا سيما عن جانبها البطولي المشرق..
إن واقعة كربلاء لها وجهان(أو صفحتان): وجه أبيض ناصع نوراني، ووجه أسود قاتم ظلاميّ. و كلا الوجهين إما لا نظير لهما في التاريخ أو نادران  جدّا..
ففي الصفحة القاتمة نجد أن كربلاء تمثل قمّة المصائب و المآسي و الجرائم(قتل الأبرياء من شيوخ، وكهول، و شباب، و أطفال و حتى الرّضع، و قطع الرؤوس، و سحق الجثث بحوافر الخيل، و المنع من الماء، و سبي النساء، و الأطفال وترويعهم.. ). وأما أبطال هذه الصفحة الجنائية فهم يزيد و ابن زياد و ابن سعد و الشمر(الخ)..
لكن هل هذه كل عاشوراء(سواد في سواد في سواد)؟ أم هنالك شيئا آخر؟
إن عاشوراء ليست هذه الصفحة السوداء فقط، بل فيها صفحة أخرى ووجه آخر لا مكان فيه للجريمة  و المأساة، ذلك هو الوجه النوراني المشرق الذي تتجلى فيه الحقيقة الإنسانية في نقائها و طهرها و تقديسها للحق..
و أما أبطال هذه الصفحة فهم الحسين(ع) و أنصاره..
إننا حينما نقرأ هذه الصفحة، فإننا نشعر بالاعتزاز ونرى أن البشرية من حقها أن تفرح وتزهو و تفخر..
لكن حينما نطالع الصفحة الأخرى فان الشعور بالخجل يلاحقنا و يطاردنا و نتخيل البشرية و هي منكّسة الرأس و قد وُصمت بفضيحة العار و الشنار.. كيف لا وهي ترى نفسها مصداق الآية الكريمة: <<..أَ تجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسفِك الدِّمَاءَ وَ نحْنُ نُسبِّحُ بحَمْدِك وَ نُقَدِّس لَك..>>.
طبعا لم يكن هذا السؤال موجّها من جبرائيل(ع) عندما سمع قوله تعالى:<< إِنى جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً >>، لكنه سؤال قسم من الملائكة الذين لم يروا في حياة البشرية سوى ذلك الجانب المظلم، و غاب عنهم الجانب الآخر المشرق و الناصع..فأتاهم الجواب الإلهي :     << إِنّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ>>.
إن الوجه الذي اعترض عليه الملائكة يكون فيه البشر منكّسي الرؤوس، بينما الوجه الآخر على العكس يكونون فيه رافعي الرؤوس فخرا و اعتزازا.
فلماذا نقتصر دائما على قراءة كربلاء من زاوية صفحتها المظلمة البشعة؟..و لا نرى في الحسين سوى ذلك الشخص المعتدى عليه؟..و لا نرفع من عاشوراء سوى تلك الشعارات المأخوذة من جانبها المظلم؟..إننا حينما نقتصر على ذلك نكون قد أسهمنا في تحريف الواقعة، و ليس بعيدا أن ندخل في عداد الجناة المشاركين في الجريمة(و العياذ بالله).

<< إِنّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ>>:
لقد أشارت الآية الكريمة إلى أن الجانب الراجح لبني آدم هو الجانب المشرق، و إن كانت حياتهم تتداخل فيها أبعاد الظلام و النور و الخير و الشر..
إن الحديث عن كربلاء يعني الحديث عن قصتيّن أو بعدين :
قصة جنائية بربرية مأساوية للغاية.. و قصة إنسانية ملكوتية عظيمة.. و هي في بعدها الأول لا تستحق التخليد و الإحياء و الاحتفال بها كلّ عام.. و إنما تكتسب الواقعة قيمتها و عظمتها باعتبار بعدها الثاني..
لقد مثّلت كربلاء لوحة فنيّة تراجيدية راقية تداخلت فيها الألوان و الأبعاد و اشترك فيها الجميع(المرأة والرجل وحتى الطفل الرضيع..)، و كانت تجسيدا فريدا للصراع الأبدي بين الخير و الشر..

* الروح الكبيرة للحسين(ع):

                 و إذا كانت النفـــوس كبــارا        تعبت في مرادها الأبدان  
       
نعم كانت روح الحسين(ع) كبيرة و عظيمة، وعندما تكبر الروح يتعب البدن، و عندما تصغر يرتاح  و يستقر:
(دع المكارم لا ترحل لبغيتهــا      و قرعينا فأنت الطاعم الكاسي)

 عندما تكبر الروح لا بد من دفع الضريبة، فيتعرض صاحبها في يوم عاشوراء إلى ثلاثمائة جرح شاء أم أبى..و البدن الذي تسحقه الخيول إنما يدفع في الحقيقة غرامة تلك الروح العظيمة..
<<..أنفسهم منهم في تعب و الناس منهم في راحة..>>(2)  

* الحسين(ع) ولد قبل زمانه : 
<< غدا ترون أيّامي، و يكشف لكم عن سرائري >>(3) 
عليّ و الحسـين(عليهما السلام) لم يُعرفا خلال حياتهما، والآن و بعــد مرور مــئات السنين بــدأ يتكشف و يرشح القليل من معالم شخصيتهما(4)..و كذلك الأمر بالنسبة لواقعة كربلاء، إذ لم يكن من الميسور تقييمها في زمن حدوثها، و لا إدراك قيمتها الحقيقية إلا بعد مرور فترة من الزمن..
فكما أن العظماء لا يتمّ اكتشافهم في عصرهم الذي يعيشون فيه، فكذلك الوقائع التاريخية العظيمة، و منها كربلاء، فإنها لا تنكشف أسرارها و معالمها و أبعادها إلا بعد مرور فترة من الزمن عليها..

2) مدخـــل:

  * التفكير في الثورة : 
<<..يا معاوية بن أبي سفيان! و أيم الله! ما أردت حربا و لا خلافا، و إني لأخشى الله في ترك ذلك..>>
<<..و الله إني ما أعرف أفضل من جهادك..وإن لم أفعله فأستغفر الله لديني..>>
ورد ذلك في بعض الرسائل التي بعثها الإمام الحسين(ع) إلى معاوية..و يستفاد منها أنّ التفكير في الثورة لم يكن غائبا عن ذهن الحسين(ع) وذلك لوجود المقتضي(5)..

 * فتنة بني أمية :
<< ألا و إنّ أخوف الفتن عندي عليكم، فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة : عمّت خطّتها، وخصّت بليتها، و أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء من عمي عنها، و أيم الله! لتجدنّ بني أمية لكم أرباب سوء بعدي، كالنّاب الضّروس، تعزم بغيّها، وتخبط بيدها، و تزيّن برجلها، و تمنع درّها..لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا منكم إلاّ نافعا لهم، أو غير ضائر بهم، و لا يزال بلاؤهم عنكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد لربّه..>>(6) 

يرى البعض، و منهم الدكتور عبد الله العلا يلي، أن بني أمية، و خلافا لكل القبائل العربية، لا يشكّلون تجمّعا عرقيا فقط، بل إن طريقة عملهم و نشاطهم هي أشبه ما تكون بطريقة الحزب، أي إنّهم كانوا يعبّرون عن تصور فكري، اجتماعي خاص، أشبه ما يكون باليهود، و هذا ما برز عبر تاريخهم منذ ما قبل الإسلام و إلى حين استئصالهم..

<< تلقفوها! تلقّفوها بني أميّة..تلقّف الكرة، أما و الذي يحلف به أبو سفيان، مازلت أرجوها لكم، و لتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة..>>
لقد تحققت أمنية أبو سفيان..إذ كان الأمويّون بحاجة إلى ثلاثة عوامل فقط لتحقيقها:
أولها: (الإيديولوجية السياسية) و قد كانت موجودة لديهم، وقد بنوها على أسطورة تفوّقهم العرقي على بقيّة العرب، و بالتالي على جميع الأمم..
وثانيا : (الثروة و القوّة) و قد تحققت لهم بفضل عثمان..
وثالثا: (الدين)، وقد تمكنوا من تسخيره و استغلاله لصالحهم بعد مقتل عثمان و استخدموه ضدّ خصومهم.. 
إلى أن جاء يزيد إلى السلطة فأخلّ بالتوازن بين هذه العناصر و أفقد الأمويين السيطرة على عامل الدين مما أسهم في التعجيل بنهاية حلمهم بل و نهايتهم أيضا..
و بالتالي يمكن القول بأن مجيء يزيد كان غلطة كبرى للحزب الأموي..فهو زيادة على أنه لم يتمكن من تنفيذ سياسة و برنامج حزبه، فإنه قام بأعمال أسقطت و مزّقت القناع و الستار الذي كانوا يتستّرون به و فضحهم و كشفهم أمام الناس..
و من قبل كان معاوية قلقا جدا بشأن مستقبل يزيد، لما يعلمه عنه من جهل و غرور. و لذلك قدّم له الكثير من النصائح و التوجيهات في أيامه الأخيرة فبيّن له كيف يتصرف مع ابن الزبير و مع ابن عمر، ونصحه باللين و عدم الخشونة مع الحسين(ع)، و مما قاله له : <<..إنه ابن النبي، و إن له مكانة عظيمة عند المسلمين  فإياّك و استخدام الخشونة معه..>>
لأن معاوية كان يدرك بتمرّسه و حنكته مدى خطورة و عاقبة ذلك على يزيد خاصة و على بني أميّة عامّة..
لكن غرور يزيد و جهله و غباءه السياسي قد أوقعه في المحذور..(ليقضي الله أمرا كان مفعولا). و كان يزيد محاطا بمستشارين يضمرون الحقد على الإسلام و المسلمين. وقد أرادوا بتحريضه على الحسين(ع) أن يضربوا عصفورين بحجر واحد: قتل الحسين(ع)، و هو الرمز المقدس لدى كافة المسلمين، ثم القضاء على دولة بني أميّة و على الإسلام.. و لذلك كان الإمام الحسين(ع) يردّد :<< و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد..>>
فوجود يزيد بحدّ ذاته في السلطة كان يمثل حربا على الإسلام..(*)

* وقفة مع يزيد الشاعر (الفاجر)
و هي محاولة للتعرّف على بعض جوانب شخصيّته من خلال شعره..فهو ابن معاوية بن أبي سفيان(الطليق ابن الطليق). وأمّا أمّه فهي ميسون بنت مجدل الكلبيّة، و هي امرأة بدويّة لم تحتمل حياة المدينة مع معاوية، فأرسلها صحبة ابنها(يزيد) إلى البادية.
 و هي صاحبة الأبيات التالية :

للبس عباءة و تقرّ عينـــــــــي              أحب إليّ من لبس الشّفوف
وبيت تخفق الأرياح فيـــــــــه               أحب إليّ من قصر منيف
وخرق من بني عمّي فقـيـــــــر              أحبّ إليّ من علج عــنيف

و لقد انعكست حياة يزيد في البادية على ميوله، فكان شديد الولع بالصيد ميّالا إلى اللهو و اللعب، ولهًا و شغوفا بالغناء و الشعر.
و من أشعاره :

عن فسقه و مجونه:
شميسة كرم برجها قعر دنّهــــا            و مشرقها السّاقي و مغربها فمي
فان حرّمتها يوما على دين أحمــد            فخذها على دين المسيح بن مريم

دع المساجد للعبّاد تسكنهـــــا           و اجلس على دكّة الخمّار و اسقينا
إنّ الذي شرب في سكره طـــرب          و للمصلّـين لا دنيا و  لا   دين      
ما قال ربّك ويل للأولى سكـــروا           لكنّه قال: و يـــل للمصلين       

عن جبنه :
ما إن أبالي بما لاقت جموعهـــم         بالفرقدونة من حمّى و من موم
إذا اتكأت على الأنماط مرتفقــــا          بدير مرّان عندي أمّ كلثــوم     

عن لهوه و عبثه:
تمسّك أبا قيس بفضل عنانهــــا            فليس عليها إن سقطت ضمان
ألا من رأى القرد الذي سبقت بــه           جياد أمير المؤمنين أتـــان    

عن كفره وإلحاده :
لمّا بدت تلك الرؤوس و أشرقت                تلك الشموس على ربى جيرون
صاح الغراب فقلت: صح أو لا تصح           فلقد قضيت من النبّي ديونــي   

عن جاهليته:
ليـت أشياخي ببدر شهـــدوا             جزع الخزرج من وقع الأسل
إذا لأهـلــــوا فرحــــا            و قالوا يا يزيد لا تشــــل

 الفصل الأول: "بداية الحركة الحسينية "

« إِنّ اللّهَ اشترَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسهُمْ وَ أَمْواَلهَُم بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّةَ يُقَاتِلُونَ في سبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّا في التّوْرَاةِ وَ الإنجيل وَ الْقُرْءَانِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاستَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَ ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. التائبون العابدُون الحامدُون السائحُون الرّاكعُونَ الساجِدُونَ الآمرون بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنكرِ وَ الحَْافِظونَ لحُِدُودِ اللّهِ وَ بَشرِ الْمُؤْمِنِينَ »(7) 
في هاتين الآيتين خلاصة الحركة الحسينية، من منطلقها إلى منتهاها و غايتها، فلقد تجسّدت فيها هذه المعاني العظيمة و المقدسة بأرقى و أصدق و أسمى تجلياتها..

* بداية التحرك:
«مثلي لا يبايع مثله..»
أرسل يزيد إلى والي المدينة يستعجله في أخذ البيعة من الحسين(ع)، ليواجه الناس بها و من ثم يجبرهم على بيعته..
«وخذه بالبيعة أخذا شديدا..».
و من الواضح أن يزيد لم يكن ليرضى من الحسين(ع) بأقل من البيعة. مما يعني بان الحسين(ع) كان أمام خيارين :
      - إما أن يبايع و يستسلم و يسلّم لكي يسلم و على الإسلام السلام،
      - و إمّا أن يرفض و يتحمل العواقب.
و في حالة الرفض :
      - إمّا أن يكون رفضه سلبيّا، فيختفي عن الواجهة، و يتجنب المواجهة (أو يلجأ إلى احد جبال اليمن كما نصحه ابن عباس..)    
      - و إمّا أن يكون رفضه إيجابيا، فيتخذ منه عنوانا لمواجهة محتملة مع السلطة، و يسعى إلى توسيع دائرته ليشمل أكبر عدد مكن من الناس..
ومن البديهي أن الحسين(ع) ما كان ليبايع يزيدا، لأن مبايعته تعني التوقيع على دمار الإسلام.
« وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد..»
كما تعني الذل و الهوان لرمز من رموز الدين و قلعة من قلاعه الحصينة..
« يأبى الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون، و حجور طابت و طهرت، و أنوف حميّة و نفوس أبيّة.. ».
و أما الرفض السلبي فقد أجاب عنه الإمام(ع) بقوله:
« لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى، لما بايعت يزيد بن معاوية»
و كيف يلجأ للجبال، و هو ابن من قال : « و الله لو تظاهرت العرب على قتالي، لما و ليّت عنها، و لو أمكنت الفرص من رقابها، لسارعت إليها..»
إذن لم يكن أمام الحسين(ع) سوى الرفض الايجابي..فخرج من عند الوالي دون أن يبايع، و بقي في المدينة ثلاثة أيام. يخرج في كل ليلة لزيارة قبر جدّه(ص) ويدعو عند رأسه:<< ربّي افتح لي طريقا يكون فيه رضاك>>
و في الليلة التالية، و بينما كان منهمكا في الدعاء و البكاء، أخذته غفوة من النوم، فرأى جدّه في عالم الرّؤيا. وكان ذلك بمثابة الوحي و الإلهام بالنسبة إليه..(<< إنّ لك درجة عند الله لن تنالها إلا بالشهادة..>>)
وعند طلوع فجر اليوم التالي غادر (ع) المدينة متوجها إلى مكة. و ممّا قاله (ع) قبل رحيله :
«خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف.. فمن كان باذلا فينا مهجته موطّنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإنني راحل مصبحا إن شأ الله  تعالى.. »(8)  
* الخروج إلى مكة :
<< فخرج منها خائفا يترقّب قال ربّي نجّني من القوم الظّالمين>>(9)  
و قد ورد في جوابه لابن عباس :
«يا ابن عباس! فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله من وطنه وداره، و موضع قراره، ومولده، وحرم رسوله، و مجاورة قبره، و مسجده، و موضع مهاجرته، وتركوه خائفا مرعوبا، لا يستقرّ في قرار، و لا يأوي إلى وطن، يريدون بذلك قتله و سفك دمه.. »(10)
و كان في سفره إلى مكة يسلك الطريق العامة المعتادة. فجاءه بعض أصحابه يعاتبونه قائلين :
« يا ابن رسول الله! لو تنكّبت الطريق الأعظم لكان أفضل»، لكنه رفض لكي لا يظهر بمظهر الفارّ والخارج عن القانون.. بقوله(ع) :«و ليكن ما يريده الله و يشاءه، فرضانا من رضا الله..»
و كانت بداية حركته (ع) في السابع و العشرين من شهر رجب سنة (60) للهجرة، و وصوله إلى مكة في الثالث من شهر شعبان.

* الحسين(ع)  في مكة :
لم يكن اختيار الحسين(ع) لمكة جزافا، بل كان بسبب موقعها الأمني و مركزها الاجتماعي و السياسي لا سيما مع اقتراب موسم العمرة و الحج، حيث يأتي الناس من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم و ليطوّفوا بالبيت العتيق. و يكون في ذلك فرصة مناسبة للتبليغ و الدعوة..
و في الخامس عشر من شهر رمضان بدأت تصله رسائل أهل الكوفة. و قد بلغ عددها حوالي ثمانية عشر ألفا..و قد وقّع على بعضها زهاء المائة شخص..( فيكون عدد الموقعين الإجمالي حوالي المائة ألف شخص إن لم يكن أكثر..)
و قد جاء في بعض هذه الرسائل :« أما بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي إنتزى على هذه الأمّة، فابتزها، وغصبها فيئها، و تأمّر عليها بغير رضي منها ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود! إنه ليس علينا إمام، فاقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ..»
و رغم علم الإمام(ع) بعدم جديّة هذه الدعوة، فأصحابها أناس متردّدون و مرعوبون، و هو لا يرى فيهم الاستعداد الكافي للخروج على يزيد، فضلا عن الثورة عليه.
لكنهم، وبرسائلهم، قد أقاموا الحجّة عليه ووضعوه في موقف حرج. فهو بين خيارين :
- إمّا أن يتجاهل دعوتهم بناء على سوابقهم مع أبيه و أخيه(ع أو على علمه بتخاذلهم و قلّة وفائهم..
- و إمّا أن يجيبهم لما طلبوه..
و الحل الثاني هو الذي ينسجم مع تكليفه الشرعي، و لذلك سار فيه عملا بسيرة أبيه القائل :
« لولا حضور الحاضر، و قيام الحجّة بوجود الناصر، و ما أخذ الله على العلماء، أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها..»(11)  
                                                                          
* إرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة :
بعث الحسين(ع) بابن عمه مسلم بن عقيل، رسولا إلى الكوفة. و حمّله رسالة إلى أهلها جاء فيها :
«..إني بعثت إليكم أخي، و ابن عمّي، وثقتي في أهل بيتي..و لعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الدّائن بدين الله.. ».
و كان من المقرر، على ما يبدو، أن يمكث الإمام(ع) بمكة حتى تأتيه أخبار أهل الكوفة. لكن حصلت خلال ذلك بعض التطورات اضطرّته إلى الإسراع بمغادرة مكة في الثامن من ذي الحجة (يوم التروية) قاطعا بذلك حجّه و قاصدا الكوفة..و ذلك لما وصلته من أخبار مفادها أن عمرو بن سعيد بن العاص قد توجه إلى مكة في ثلاثين نفرا من بني أميّة و هم يحملون أمرا بقتله، و هو في حالة الإحرام. مما يعني هتك حرمة بيت الله الحرام و إهدار دم الإمام(ع).. ثم يشيعون أن الجاني قد اختفى في الزحام و بأن الجريمة كانت فردية وذات دوافع شخصية لعداوة بين الجاني و بين الإمام (ع)..
وقد ورد في رسالة بعث بها ابن عباس إلى يزيد ما يلي:« وما أنسى من الأشياء، فلست بناس إطرادك الحسين بن علي من حرم رسول الله إلى حرم الله، ودسّك إليه الرجال، تغتاله فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة..»(12)                                          
  وقد قال الإمام (ع) لبعض شيعته (وهو الفرزدق حينما إلتقاه في طريق الكوفة) :
« لو لم أعجل لأُخذت..»
و بالإضافة إلى ما ذكر، فإنّ البعض يرى بأن عدم إتمام الإمام(ع) لحجّه و إدارة ظهره للكعبة في يوم التروية لا يخلو من مغزى..
فهو إنما أراد بذلك إظهار احتجاجه و سخطه على السلطة الغاشمة، التي أفرغت الحج من محتواه، وجعلت منه جثة بلا روح، مما حرم المسلمين من بركاته..
و هناك سؤال هام قد يطرح حول ما إذا كان الدافع في تعجيل الإمام الحسين(ع) بالخروج من مكة هو خوفه من الموت؟ أم كان خشية أمر آخر لم يفصح عنه؟
يبدو أن الرؤية التي رآها الحسين(ع) في المدينة هي التي حدّدت له وجهته وبرنامج عمله.. و كانت بمثابة البشرى له( بأن له مكانة عند الله لا ينالها إلا بالشهادة).
فكان الحسين(ع) يخشى أن يضيع منه هذا الوسام قبل بلوغ الهدف، فيقتل غيلة و يهدر دمه قبل أن يتمّ مهمته..بل ربّما كان يخشى أن يكون قتله بمكة، من باب البداء.. وهو إشارة سلبية قد تحرمه من ذلك الوسام.
ويؤيد هذا ما قاله(ع) لأخيه محمد بن الحنفية قبل رحيله من المدينة :
«..أتاني رسول الله (ص) بعد ما فارقتك. فقال : « يا حسين أخرج، فإنّ الله شاء أن يراك قتيلا». فقال ابن الحنفية: إنا لله و إنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج على مثل هذا الحال؟ قال : فقال لي (ص) :<< إن الله قد شاء أن يراهنّ سبايا>>(13)  فسلم عليه ومضى.
و أما عن الخوف من الموت فهو القائل :
« خطّ الموت على و لد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف..»(14)
و القائل: « إني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما..»(15) و ابن القائل: « و الله ما فجأني من الموت واردا كرهته، أو طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد و طالب وجد».(16)
 « و الله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه »(17) 
و كيف يخاف الحسين(ع) الموت و هو العاشق الواله:
« إلهي تردّدي في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني منك بخدمة توصلني إليك.. »(18)

٭ في الطريق إلى كربلاء :
خرج الحسين (ع) من مكة قاصدا الكوفة. و في الطريق التقى ببعض الموالين و منهم الفرزدق الذي حاول أن يُثنيه عن مواصلة السير. ومما قاله له حول الأوضاع في الكوفة..
« قلوب النّاس معك و سيوفهم مع بني أميّة..»
أما مجمع  بن عبيد العامري فيصف أهل الكوفة :
« أما أشراف الناس، فقد أعظمت رشوتهم، و ملئت غرائزهم، فهم إلب واحد عليك و أما سائر الناس بعدهم، فإن قلوبهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك..» 
لكن هذا لم يثن الإمام(ع) عن مواصلة رحلته، وكأنّه على موعد مع أمر هام يخشى فواته..ومما يثير الإعجاب في سيرة الإمام الحسين(ع) عموما و في مسيرته إلى الكوفة خصوصا أنه كلما وصلته أخبار محزنة وسيئة من الكوفة، كلما ازداد إصرارا و تصميما وثباتا، وانعكس ذلك على خطبه و كلماته:
<< إني لا أرى الموت إلا سعادة، و الحياة مع الظالمين إلا برما>>
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى        إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلمــا
و واسى الرّجال الصّالحين بنفســه        وفارق مثبورا و خالف مجرمــا
أقدّم نفسي لا أريد بقاءهــــــا        لتلقى خميسا في الهياج عرمرمـا
فإن عشت لم أندم وإن متّ لم ألــم       كفى بك ذلاّ أن تعيش وترغمـــا

ولما بلغه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل، اغتمّ الحسين(ع) غمّا شديدا، وقال:
« إنا لله و إنا إليه راجعون.. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا..  يا أيها الناس! إنّ الدنيا قد أدبرت وأذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت بصلاح..»
و واصل الحسين مسيره رغم ما بلغه من تخاذل أهل الكوفة و انكسارهم..

* الحسين(ع) تنعى إليه نفسه :
  « القوم يسيرون و الموت يسير بركابهم..»،..« إنا لله و إنّا إليه راجعون.. »
كان الحسين(ع) يعلم بأنه ومن معه يسيرون باتجاه المنيّة، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة طريقه. وكان لعلي الأكبر(ع) موقفا مثيرا في هذا الخصوص مع أبيه الحسين(ع) حينما أعلمه بأن الموت يسير معهم.
علي الأكبر: - أو لسنا على الحق؟
الحسين(ع) : - بلى.!
علي الأكبر: - إذن لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا.!
الحسين(ع) : - جزآك الله عنّي خيرا الجزاء..
و في الطريق إلى كربلاء التحق بالحسين(ع) الكثير من الأعراب ممن كانوا يرجون الفتح و يطمعون بالغنيمة. لكنهم سرعان ما تفرّقوا بعد سماعهم أنباء استشهاد مسلم و هانئ بن عروة و تخاذل أهل الكوفة..
وفي موقف آخر يخطب الإمام في الناس بقوله :
«أيها الناس! خط الموت على ولد آدم، كمخطّ القلادة على جيد الفتاة، و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وأن لي مصرعا أنا لاقيه، بين النواويس وكربلاء، كأنني أنظر إلى أوصالي تقطعها وحوش الفلوات غبرا، قد ملأت منّي أكرشا سغبا..رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ليوافينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته و عترته، ولن تفارقه أعضاؤه، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّبها عينه، وتنجز فيها عدّته..»

و في موقف آخر، وبعد اصطدامه بجيش الحرّ بن يزيد الرّياحي، يخطب الإمام الحسين(ع) مذكّرا بحديث جدّه(ص) :« أيها الناس! من رأى سلطانا جائرا، مستحلاّ لحرام الله. ناكثا لعهد الله، مستأثرا لفيء الله، متعدّيا لحدود الله، فلم يغيّر عليه بقول، و لا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله..ألا و إنّ هؤلاء القوم قد أحلّوا حرام الله، وحرموا حلاله، واستأثروا فيء الله..»
« وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله و حرّموا حلاله..»(19)                         

  الفصل الثاني :" مناخ ركاب و مصارع عشاق" الحسين(ع) في كربلاء
                
 خرج أمير المؤمنين(ع) ذات مرّة يسير بالناس، حتى إذا كان بكربلاء على ميل أو ميلين تقدّم بين أيديهم، حتى طاف بمكان يقال له المقذفان، فقال :«..هاهنا مناخ ركاب و مصارع عشاق، شهداء لا يسبقهم من قبلهم، و لا يلحقهم من بعدهم.. »(20)
عندما وصل الإمام(ع) إلى منتصف الطريق (بين الحجاز و الكوفة) اصطدم بجيش الحر بن يزيد الرياحي الذي كان في ألف فارس. يقال بأنه منع الحسين) من العودة إلى مكة وقام بخفره إلى أن حطّ بهم الرحال في أرض كربلاء(أرض كرب و بلاء).
«ألا و إنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركّز بين اثنتين، بين السلّة و بين الذلة، و هيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك  و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و أنوف حميّة و نفوس أبيّة..»(21)      
«و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، و لا أقرّ إقرار العبيد »
 و في كربلاء تجلّت عظمة الحسين(ع) في أرقى و أسمى معانيها..

* بين ابن سعد و ابن زياد :
بعد أيام قليلة من وصول الحسين(ع) إلى كربلاء يصل عمر بن سعد في ثلاثين ألفا كانوا يتهيئون لقتال الديلم. فحوّل عبيد الله بن زياد وجهتهم لمحاربة ابن النبي(ص) وكان اختيار عمر بن سعد على رأس هذا الجيش لا يخلو من مخادعة. إذ أن ابن زياد و كأنه أراد أن يوحي للناس بأن هذه الحرب هي من سنخ تلك الغزوات التي كان يقاتل  سعد بن أبي وقاص فيها الكفار..لكن الفرق هذه المرّة أنّ ابنه عمر يقاتل فرقة من الفرق الخارجة عن الإسلام (و العياذ بالله).
كان ابن سعد في البداية متردّدا، و قد ظهر ذلك من خلال مراسلة له مع ابن زياد اقترح له فيها ترك الحسين و شأنه(و ليعد من حيث أتى)، وحذّره من عواقب قتله.. وكاد ابن زياد أن يقتنع لولا أن شمرا زيّن له عكس ذلك. وممّا قاله له : « بأنه اليوم في قبضتنا و من يضمنه لنا غدا، لا سيما و أن شيعة أبيه كثر، وهم منتشرون في كل مكان.. »

فنهض ابن زياد وبدأ وكأنه قد أفاق من غفوة، و قال للشمر : نِعم ما رأيت، وأخذ ينشد :
            الآن قد علقت مخالبنا به       يرجو النّجاة ولات حين مناص
وكتب إلى ابن سعد برسالة غاضبة، جاء فيها:
«..لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه، و لا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة و البقاء ولا لتعذر عنه..فان أنت مضيت لأمرنا فيه، جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخل بين شمر بن ذي الجو شن و العسكر.." ثم أعطي الشمر كتابا سريّا جاء فيه : "فإن فعل فاسمع له و أطع، و إن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش، فاضرب عنقه و ابعث إليّ برأسه.. »
و وصل الشمر(22)إلى كربلاء، عصر يوم التاسع من محرم. وكان ردّ فعل ابن سعد على عكس توقعه. في البداية نظر عمر إلى الشمر بارتياب قائلا: « و الله! إني لأظنك نهيته عما كتبته به إليه، و أفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح.. »
فقال له الشمر: « اخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك، و تقاتل عدوّه، و إلا فخل بيني و بين الجند و العسكر.. »
فقال له عمر: « لا و لا كرامة لك، أنا أتولّى ذلك، فدونك فكن أنت على الرجّالة.. »
و مما ورد في كتاب ابن زياد لابن سعد ما يلي:
«..انظر فإن نزل حسين و أصحابه على حكمي واستسلموا، فابعث بهم إليّ سلما، وان أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فانه لذلك مستحقون، فان قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره و ظهره، فإنه عات ظلوم.. » [ و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم..] 

« يا خيل الله اركبي و بالجنّة أبشري..» هذا نداء ابن سعد في جنده و هو مغالطة واضحة أراد بها كسر حالة التردّد لديهم و إشعارهم و كأنهم في جهاد مقدس [ والعياذ بالله].
 * يقول الإمام الصادق(ع) :  
« إن تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين(ع) »(23)
           
و رغم ذلك، يقول الرواة : بأن الحسين(ع) قد أمضى ليلة العاشر بطمأنينة غير عاديّة، و معنويات مرتفعة، و روحانية مشرقة، ونورانية متألقة..و صدق من سمّى تلك الليلة "بليلة معراج الحسين(ع)".
يا دهر أفّ لك من خليل      كم لك بالإشراق و الأصـــــيل
و صاحب و طالب قتيل       و الدّهر لا يقنع بالبديـــــــل
و إنما الأمر إلى الجليل

* دروس من كربلاء :
من الأعمال التي قام بها الإمام الحسين(ع) في ليلة العاشر من محرم هو جمعه لأصحابه(24و أهل بيته. وبعد الشكر و الثناء عليهم خاطبهم بقوله :
«..أما بعد فاني لا اعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي، وأهل بيت أبرّ و لا أوصل من أهل بيتي..ألا و إنّي لا أظن يوما لنا من هؤلاء، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حلّ ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعا ثم تفرّقوا في البلاد..فإن القوم يطلبونني و لو أصابوني لهوا عن طلب غيري..»
و ما إن أتم حديثه حتى صاح الأهل و الأصحاب : « وكيف نفعل هذا يا أبا عبد الله لا أرانا الله ذلك أبدا!.. »
وأخذ كل واحد منهم يعبّر عن موقفه و مشاعره بأسلوبه الخاص، فقال أحدهم: « أما و الله لو علمت أنّي أقتل ثم أحي، ثم أحرق ثم أحي، ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك.. »
و قال آخر: « حتى أقتل هكذا ألف مرّة، و أن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.. »
و لمّا تيقن الحسين(ع) من ثبات موقفهم وإخلاصهم ووفائهم، خاطبهم هذه المرّة ناعيا و مبشرا:
  فإنّي غدا أقتل و تقتلون كلكم معي» فقالوا بأجمعهم :« الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك و شرّفنا بالقتل معك، أولا نرضى أن نكون معك في درجتك..؟».
و هنا ينهض القاسم بن الحسن(ع)، وهو الصبي الذي لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره، وقد كان حاضرا في المجلس، فأراد أن يقطع الشك الذي خامره من أمر مقتله فيمن يقتل بسبب صغر سنّه. فسأل عمّه:" وأنا فيمن يقتل يا عم..؟". يقول الرواة : فأشفق عليه الحسين(ع)  و قال: « يا بن أخي كيف تجد طعم الموت عندك؟" قال :" يا عماه أحلى من العسل»..فقال له
 الحسين(ع) : « أي- والله- فداك عمّك إنّك لأحد من يقتل معي بعد أن تبلوا ببلاء عظيم.. »
  
 * صور و مشاهد حيّة من كربلاء :
كان حميد بن مسلم الراوي، (و هو ممن شهد واقعة كربلاء و لم يشارك فيها)، بمثابة الصحفي يوم عاشوراء. فتراه ينتقل في ساحة المعركة ليسجل و يلاحظ و يعاين..و قد رويت عنه أغلب الوقائع، لكن الحسين(ع) قد سبقه في ذلك حينما أختار اللون الأحمر، وهو لون الدم و هو الأكثر ثباتا بين الألوان، ليكتب به تاريخه و رسالته و بهذا ضمن لها الخلود..

* مع الحر بن يزيد الرياحي :
كان رجلا ذا شهرة كبيرة بين أهل الكوفة. وكان يُعدّ من أبطالها. و لقد كلّفه ابن زياد بمحاصرة الحسين(ع) ووقف مسيرته..وقد و فّرت له هذه المهمة فرصة التعرف على أبي عبد الله(ع) عن قرب.. إذ كان شعاعه و إشعاعه المقدس يخترق قلب هذا الرجل شيئا فشيئا. إلى أن كانت اللحظة الحاسمة يوم العاشر. فشوهد الحر و هو يرجف بشدّة و حينما يسأله أحدهم: ما بك يا حرّ؟.. أهو الخوف؟ فو الله لو سألوني عن أشجع أهل الكوفة لما عدوتك..
يجيب بأنه ليس كذلك و إنما هو صراع داخلي يختلج في صدره. و قد خيّرها بين الجنّة و النار.
و فجأة يحسم الحرّ موقفه و ينطلق نحو معسكر الحسين(ع) رافعا علامة الأمان..
يقول الراوي : قلب ترسه، وأول الذين كانوا في استقباله هو أبا عبد الله الحسين(ع حيث كان واقفا أمام مخيم الحرم، فبادره الحرّ يناجي ربه و يدعو : « اللهم إليك تبت فتب علي. لقد أرعبت قلوب أوليائك، و أولاد بنت نبيك! ». ثم نظر إلى  الحسين(ع) و قال: « جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع، و جعجع بك، و ما ظننت [أنّ] القوم يبلغون بك ما أرى، و أنا تائب إلى الله تعالى، فهل ترى لي من توبة؟ »
فأجابه الحسين(ع) :[ نعم] يتوب الله عليك فانزل [ و استرح].
ففرح الحرّ و استبشر و أراد أن يسارع للبرهنة على صدق توبته. فقال: «أنا لك فارسا خير منّي راجلا، و إلى النزول يصير آخر أمري.. »
 ثم استأذن في مخاطبة القوم فأذن له..ثم قاتل حتى استشهد..فأتاه الحسين(ع) و جعل يمسح التراب عن و جهه و يقول :" أنت حرّ كما سمّتك أمّك، و نعم الحر حرّ بني رياح.. »(25)


  * عبد الله الكلبي و أمّه :
كان من ضمن ثلاثة نفر انضموا للحسين(ع) مع عائلاتهم. و هم بالإضافة إليه مسلم بن عوسجة (و كان شيخا كبيرا) و جنادة بن حرث الأنصاري.
برز عبد الله الكلبي للميدان ثم عاد بعدما قتل من الأعداء، ليسأل أمّه و هو جريح ينزف و قد قطعت يمينه: يا أمّاه أرضيت عنّي؟ فتجيبه : ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين(ع) ابن بنت رسول الله(ص).
وهنا تتدخل زوجته و تحاول أن تثنيه : « بالله عليك لا تفجعني بنفسك! »
فتردّ أمه : يا بني أعزب عن قولها و ارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله تنل شفاعة جدّه يوم القيامة.
و يرجع عبد الله إلى الميدان فيقاتل حتى يستشهد. فيقطع الأعداء رأسه و يرمون به نحو مخيم الحسين(ع).
فما كان من أمّه إلا أن تناولت رأس ابنها وضمته إلى صدرها و هي تدمدم بينها و بين نفسها و تقول : بني الآن قد رضيت عنك فقد أدّيت واجبك. ثم تأخذ رأس ابنه و ترمي به مرة أخرى إلى معسكر الأعداء فتصيب به أحدهم. ثم تأخذ عمود خيمة و تحمل على الأعداء و هي ترتجز:      
أنا عجوز سيدي ضعيفـــة           خاوية باليـــة نحيفــــــة
أضربكم بضربة عنيفــــة          دون بني فاطمة الشريفــــــة(26)
                                                                                             
* مع عمرو بن قرضة ( بن كعب الأنصاري) :
وهو من أولاد الأنصار في المدينة، و كان من حرس الإمام الحسين(ع) أثناء الصلاة في يوم العاشر. فلقد جعل هذا الرجل من جسده درعا لأبي عبد الله الحسين(ع).
يقول الراوي: بعدما أتته السهام من كل جانب سقط صريعا، و سأل الحسين الذي كان جالسا عند رأسه : «أوفيت يا أبا عبد الله؟» فيطمئنه(ع) : « بلى قد وفيت.. »

* مع الشاب الذي قُتل أبوه:
ولعله ابن مسلم بن عوسجة أو ابن جنادة الأنصاري.
يقول الراوي: « خرج شاب قتل أبوه في المعركة. فقال الحسين : هذا شاب قتل أبوه و لعلّ أمّه تكره خروجه. فيرد الشاب: و الله هي التي أمرتني بذلك و قالت لي: اخرج يا بني و قاتل بين يدي ابن رسول الله..
ثم أخذ الشاب يرجو أبا عبد الله الحسين(ع) ليأذن له بالخروج فإذن له.
فخرج يرتجز و يقول:
 أميري حسين و نعم الأميـــــر        سرور فؤاد البشير النذيـر
عليّ و فاطمة والــــــــداه        فهل تعلمون له من نظيــر
له طلعة مثل شمس الضحـــــى       له غرّة مثل بدر منيـــر(27)

* مع علي الأكبر(ع):

«اللهم اشهد على هؤلاء، فقد برز إليهم أشبه الناس خلقا و خُلقا و منطقا برسولك محمد(ص)، و كنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه..»
وبرز علي الأكبر إلى الميدان و يعود بعد برهة ليخاطب أباه:
- « العطش قد قتلني، و ثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟ »
- «عد يا بني إلى قتال عدّوك، و إني لأرجو أن يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.. »
- « يا أبتاه هذا جدّي قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا.. ».. « فاحتمله الفرس إلى معسكر الأعداء فقطعوه إربا إربا .. »(28)                                                                                              
* مع القاسم(ع):
و هو الصبي الذي لم يبلغ الحلم، و بعد أن ينجح في إقناع عمه، يستعد للنزول. لكن ما إن رآه الحسين(ع) على تلك الحال حتى تقدم إليه و اعتنقه و جعلا يبكيان حتى غشيا عليهما.
و برز القاسم إلى الميدان و أثر الدموع في عينيه و هو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الحسن           سبط النبي المصطفى و المؤتمن
هذا الحسين كالأسير المرتهن        بين أناس لا سقوا صوب الـمزن

- « يا عمّاه أدركني!
«..فانبلجت الغبرة فإذا الحسين قائم على رأس القاسم، و الغلام يفحص برجليه و أبو عبد الله يقول :
يعزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك و إن أجابك فلا ينفعك صوته.. »(29)

* مع العباس(ع) :
    يا نفس من بعد الحسين هونـــي          و بعده لا كنت أن تكونـــي
   هذا الحسيـــــن وارد المنـون         و تشربين بارد المعيـــــن
كان أبو فضل العباس يصغر أخاه الحسين(ع) بحوالي ثلاث و عشرين عاما، وكان عمره في عاشوراء(34) عاما في حين كان عمر الحسين(57) عاما.
و كان الحسين بمنزلة الأب للعباس، و كان يحبّه و يجلّه كثيرا و كان يرى فيه الأثر المتبقّي من شجاعة أبيه حيدر(ع). و كان من بين الذين اختصهم في لحظاتهم الأخيرة.
« بنفسي أنت يا عبّاس..» 
« الآن انقطع ظهري وقلّت حيلتي..»
يقول الراوي : « لما قتل العباس بان الانكسار في وجه الحسين(ع).. »(30)


مع الحسين(ع) :
« و الله ما رأيت مكسورا قط، قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه، أربط جأشا منه..» (31)

إن الصفات التي برزت من الحسين(ع) في كربلاء كثيرة، منها:
۱- العقيدة الراسخة و اليقين الثابت و تقوى الله عز و جل  على كل حال،
۲- القوة و الشجاعة و رباطة الجأش و علوّ الهمّة(32)  
۳- الصبر و الثبات على الحق،
٤- التضحية و الفداء و الإيثار،
٥- الرضا و التسليم،
٦- طمأنينة الروح و النفس.
لكن الخصال التي برزت أكثر من غيرها في يوم عاشوراء هي طمأنينة الحسين(ع) و هدوء روحه و استقامته و تسليمه لله عز و جل..
و كان (ع) واثقا من الآثار النورانية و العظيمة لنهضته :
« ثم أيم و الله، لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، و تقلق بكم قلق المحور..» 
« إن هؤلاء أخافوني، و هذه كتب أهل الكوفة، وهم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك، و لم يدعوا لله محرّما إلا انتهكوه، بعث الله إليهم من يقتلهم، حتى يكونوا أذلّ من فرام المرأة..»(33)
«..يا أهل بيتي استعدّوا للبلاء..واعلموا أن الله حافظكم و منجيكم من شر الأعداء ومعذّب أعاديكم بأنواع  البلاء..»(34)
« رضا بقضائك و تسليما لأمرك لا معبود سواك يا غياث المستغيثين..» (35) 
 « يا جواد أبي! أهل سقي أبي أم قتل عطشانا..»
« و أسرع فرسك شاردا، محمحما، باكيا، فلمّا رأت النساء جوادك مخزياّ وأبصرن سرجك ملويّا، خرجن من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات..»(36) 
«..و من هوان الدنيا أن رأس يحي بن زكرياء، أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل..»

* مع زينب(ع):
« أخيّه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان»
يرى البعض بأن زينب بعد كربلاء هي غير زينب قبلها..و لكن في الحقيقة إنّ زينب هي زينب، في عظمتها و شموخها و كبريائها..إن الذي اختلف هو دورها..فقد ازدادت مسؤولياتها وتكشف لها سر مجيئها و الحكمة منه، فاضطلعت بمهمتها على أحسن وجه..
و يمكن القول بأن وجود النساء و الأطفال على مسرح كربلاء جعل منها أكثر حرارة و لهيبا. و جعل خيوط المأساة(التراجيديا) تتكامل لتشكل حلقة مترابطة. مما دفع بالبعض إلى الاعتقاد بأن هذا من التدابير الإلهية العجيبة..
إن إشراك الحسين(ع) لأهل بيته لم يكن جزافا بل لعلّه جاء تنفيذا لرؤيا « إن الله شاء أن يراهن سبايا..»
إن الأحداث التي تتالت بعد الواقعة كشفت عن جانب من الحكمة التي دعت إلى إشراك النساء و الأطفال..
فقد لعب هؤلاء في الحقيقة دورا عظيما، إذ لولاهم لذهبت دماء الشهداء هدرا و لا ستطاع الأعداء إخفاء الحقيقة أو تزييفها أو تحريفها..ولقد أسهم الأسرى في إيصال صوت الحق إلى أبعد وأوسع مدى ممكن.
 و العدو الذي كان يجرّ قافلة الأسرى وراءه لم يكن يتصور أنه إنما كان يسوق في الواقع فرقة دعائية و تبليغية ضده استطاعت، بفضل غبائه، أن تنفذ إلى قلب حكومته في الشام التي اهتزت لوقع كلماتهم مما أجبره على التنصل من جريمته..ثم إن اشتراك الإمام(ع) لأهل بيته في هذه الواقعة لدليل على عمق إيمانه
و التزامه بمبادئها..فقد كان فعله(ع) و نشاطه و تحركه محسوبا بدقة و حكمة بالغة. وكان يلبّي في ذلك نداء رسالة كان يقتضي منه القيام بها..وإلا فالإنسان الذي كان الموت يسير في ركابه لا يجازف بأخذ عياله معه إلا إذا كان الدّاعي لأخذهم أرجح..
ثم إنه من المؤكد أن الإمام كان يحب أولاده أكثر منا، لأن هذه العواطف هي إنسانية و بما أنه أكثر إنسانية منا، فانّ عواطفه أكبر و أرقى، لكنه في ذات الوقت كان يحب الله تعالى حبّا لا يوازيه حب أحد. و حبّه لأهله كان في طول حبّه للمولى عز وجل لا في عرضه..

* أول مجلس عزاء :
إنّ أول من أقام مجلسا للعزاء على الحسين(ع) هي زينب(ع) و كان ذلك عصر يوم الحادي عشر من محرم، وبينما كانت قافلة الأسرى تستعد للرحيل إلى الكوفة..
يقول الراوي : « وقلن- أي السبايا- بحق الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين" حتى نودع أحبّتنا..
و ما إن وصلت القافلة إلى مصرع الحسين(ع) حتى نزلن جميعا عن دوابهن و صرن يبكين و يضربن على وجوههن..و تنطلق زينب نحو جسد الحسين(ع) لترى أخاها في وضع لم تتصوره : جسد مقطع الأعضاء،مرمّل بالدماء، مقطوع الرأس مسلوب الرداء فتقترب منه و تعتنقه و تقول :«بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى.. فأبكت و الله كلّ عدوّ و صديق »(37)

* زينب في الكوفة :
«..يا أهل الكوفة، يا أهل الختل و الغدر و الخذل! ألا فلا رقأت العبرة، و لا هدأت الّزفرة..فابكوا فإنكم أحرياء بالبكاء، فقد بليتم بعارها، و منيتم بشنارها، و لن ترحضوها أبدا و أنّي ترحضون قتل سليل خاتم النبوة و معدن الرسالة و سيّد شباب أهل الجنة، و ملاذ حربكم، ومعاذ حزبكم، و مقرّ سلمكم، و أسا لحلمكم، ومفزع نازلتكم، و المرجع إليه عند مقاتلتكم، و مدرّة حججكم، و منار محجّتكم..
ويلكم! أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم، و أيّ عهد نكثتم، و أي كريمة له أبرزتم، و أيّ حرمة له هتكتم، و أيّ دم له سفكتم..لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه..فلا يستخفنكم المهل، فإنّه عز وجلّ لا يحقره البدار، و لا يخش عليه فوت الثأر، كلا إنّ ربّك لنا و لهم بالمرصاد..»
يقول الراوي : « و لم أر خفرة قطّ أنطق منها.. »  و كأنّما تفرع عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع).. »
و ما إن أتمت زينب خطبتها حتى رأيت النّاس يومئذ حيارى يبكون و قد وضعوا أيديهم في أفواههم..
ولزينب(ع) موقف آخر مع عبيد الله بن زياد والي الكوفة:
- «..الحمد لله الذي فضحكم و أكذب أحدوثتكم.. »
- « الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمد، وطهّرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا و الحمد لله.. »
- « كيف رأيت صنع الله بأخيك..؟ »
- «.. كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، و سيجمع الله بينك و بينهم، فانظر لمن يكون البلج، ثكلتك أمّك يا بن مرجانة.!"
يقول الراوي : فغضب ابن زياد و استشاط.. »

* زينب(ع) في الشام :
« أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أنّ بنا على الله هوانا و بك عليه كرامة؟ و أنّ ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك..»
« يا يزيد كد كيدك واسع سعيك و ناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا و لا تميت وحينا..»(38)

* مع أمّ البنين :
و هي و إن لم تشارك في واقعة كربلاء، إلا أنها قد أسهمت في الدعاية لها بأسلوبها الخاص و الحزين..حتى يقال بأنها أبكت عيون الأعداء و منهم مروان بن الحكم..
ومن أشعارها الحزينة :

  لا تدعوني ويك أمّ البنين         تذكّريني بليوث العريـــــــــن
  كان لي بنون أدعى بهــم      و اليوم أصبحت و لا من بنـــــين

               من رأى العبّاس كرّ على جماهير النّقد
                                    ووراءه من أبناء حيدر كلّ ليث ذي لبد
              أنبئت أن ابني أصيب برأسه مقطوع يـــــد
                                   ويلي على شبلي أمال برأسه ضرب العمد
                      و كان سيفك بيدك لما دنا منك أحــد(39)

* النزاع حول مسؤولية مقتل الحسين(ع):
أحدثت خطب العقيلة زينب(ع) والإمام السّجاد(ع) حالة من الصحوة و الندم الجماعي و الاحتجاج بين الناس جعلت البيت الأموي نفسه يحاول التنصل من مسؤوليته عن الجريمة..
فهذا ابن زياد يطلب من ابن سعد أن يعيد له الأمر الصادر بقتل الحسين(ع)، لكنه يرفض ملقيا بالمسؤولية على عاتق ابن زياد. وأما عثمان بن زياد أخ عبيد الله فيقول:« صدق و الله لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأنّ حسينا لم يقتل»(40)
 وأما مرجانة (أم عبيد الله بن زياد) فقالت :« يا خبيث أقتلت ابن بنت رسول الله، و الله لا ترى الجنّة أبدا.. »(41)
و هذا يحي بن الحكم( شقيق مروان) يقول : « حُجبتم عن محمد يوم القيامة لن أجامعكم على أمر أبدا»(42)
و حين رأى يحي رؤوس الشهداء من آل بيت رسول الله(ص) وقد وضعت أمام يزيد أنشد يقول :

   لهام بجنب الطفّ أدنى قرابـة          من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
   سميّة أمسى نسلها عدد الحصى         و ليس لآل المصطفى اليوم من نسل(43)

و أما هند امرأة يزيد، فعندما سمعت بما جرى للحسين(ع) وقد أتوا برأسه بين يدي يزيد، تقنعت بثوبها، وخرجت و قالت : يا أمير المؤمنين! أ رأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله؟ قال : نعم، فأعولي عليه وحدّي على ابن بنت رسول الله، و صريحة قريش، عجّل عليه ابن زياد فقتله، قتله الله!! (44) 

الفصل الثالث:" دوافع الحركة الحسينية و غاياتها"

« أشهد أنك أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و جاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين.. »

* نهضة متداخلة الأبعاد(45):
إن نهضة الإمام الحسين(ع) هي ذات أبعاد ووجوه و معان مختلفة و متنوعة و متداخلة، إلى الدرجة التي يصعب معها تميزها عن بعضها..
فمن جهة تظهر هذه النهضة و كأنها ردّ فعل سلبي على مطالب السلطة الغاشمة، و من جهة أخرى تبدو  و كأنها ثورة واعية ضدّ الانحراف و الظلم، و من جهة ثالثة هي عمل تبليغي رسالي للتعريف بالإسلام المحمدي الأصيل، و من جهة رابعة هي تجسيد عملي لمبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر..
ومن وجهة تحليلية (صرفة) يمكن ردّ العوامل المؤثرة في حصول النهضة إلى ثلاثة :
۱- رفض البيعة
۲- دعوة أهل الكوفة
۳- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
وهذه العوامل كلّها كانت موجودة و مؤثرة و فاعلة و لكن بدرجات متفاوتة، والحسين(ع) في تحركه، قد أبدى ردود فعل مناسبة اتجاه كل عامل من هذه العوامل..فجانب من تحركه(ع) كان يستند إلى الامتناع عن البيعة، في حين أن بعض قراراته كانت قائمة على أساس دعوة أهل الكوفة، بينما كان البعض الآخر يقوم على أساس الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر..
إن هذه العوامل، وإن كانت مؤثرة جميعها بدرجة معينة، إلا أنها ليست متساوية من درجة أهميتها و القيمة التي تضفيها على النهضة الحسينية..
فالعامل الثالث - مثلا- وهو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يضفي على هذه النهضة قيمة جوهرية كبيرة لا يمكن مقارنتها بما يمنحه لها العاملان الآخران..

* دعوة أهل الكوفة :
إن دعوة أهل الكوفة لم تكن هي السبب في تحرك الحسين(ع) إذ من الواضح أن هذا التحرك قد بدأ قبل وصول رسائل أهل الكوفة بحوالي الشهرين..بل يمكن القول أن هذه الدعوة كانت مسبّبا لحركة الحسين(ع) و ليست سببا. فهذه الحركة هي التي دفعت أهل الكوفة لتوجيه دعوتهم و ليس العكس.
و مهما يكن من أمر فان هذه الدعوة، شأنها شأن رفض البيعة، لم تلعب سوى دورا فرعيا في النهضة الحسينية. بل يمكن القول بأن أقصى ما قامت به دعوة أهل الكوفة هو توجيه حركة الإمام الحسين(ع) باتجاه العراق..

* الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
«..إنّي ما خرجت أشرا و لا بطرا و لا مفسدا ولا ظالما، و إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، وأبي علي بن أبي طالب..»(46)     
يمكن القول بأن هذا العامل هو لبّ النهضة الحسينية و جوهرها ولولاه ما صارت خالدة مخلّدة..
وهذا العامل يستند، فيما يستند إليه، إلى نصوص كثيرة منها:
 ۱- ما ورد عن الرسول الأعظم(ص) :« من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله(ص يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان، فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله..»(47)
٢- ما ورد عن الإمام الرضا(ع) عن جده النبي الأكرم(ص) أنه قال:« إذا تواكلت الناس الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاع من الله »(48)   
۳- ما ورد عن النبي(ص) :« لتأمرنّ بالمعروف، و لتنهنّ عن المنكر، أو يسلّطنّ الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»(49)  
٤- قوله تعالى :« كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون»(50) 
٥- وقوله :« ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون»(51)
٦- وقوله:« فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجينا منهم واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه و كانوا مجرمين. و ما كان ربّك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون» (52)(*)        
۷- و قوله :« كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر و تؤمنون بالله..» (53)         
إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر(54) يعدّ من المبادئ الأساسية في الإسلام. و هو صمّام الأمان و الضمانة الأساسية لحفظ الأمة و بقاءها وصيانتها..
ويمكن القول بأن الحسين(ع) وهو العليم بمدى خطورة هذا المبدأ و أهميته و بالمفاسد المترتبة عن تركه رّجح جانب القيام (به) رغم علمه بإمكانية قتله ومن معه في هذا الطريق.
و كان يقتفي في ذلك، أثر جدّه(ص) و أبيه علي (ع) و هو القائل :
« ما أمرتكم بشيء إلا وقد سبقتكم بالعمل به، و لا نهيتكم عن شيء إلا وقد سبقتكم بالانتهاء عنه»(55) 
ومن الدروس المستفادة من نهضة الحسين(ع) أن هذا المبدأ يعدّ بالغ القيمة إلى الدرجة التي يجب على المرء  أحيانا أن يضحّي في سبيله بكل شيء..
إن مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و إن كان قد رفع من قيمة النهضة الحسينية و أسهم في خلودها، فإن هذه النهضة بدورها قد رفعت هذا الأصل و الواجب الإلهي وأحيته و أعادت له الاعتبار..
جاء في إحدى خطب أمير المؤمنين(ع) حول التقوى:« ألا فصونوها و تصوّنوا بها »(56)     
و الأمر نفسه ينطبق على مبدأ الآمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فكما علينا واجب إحيائه فالمطلوب منه أن يحيينا هو بالمقابل.. وقد يتساءل البعض:
من ليس له القدرة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ماذا يفعل؟ و ما هو تكليفه؟
و الجواب بسيط: أن عليه تحصيل القدرة و الاستطاعة، لأنّ اشتراط القدرة في تطبيق هذا المبدأ هو من باب شرط الوجود لا الوجوب..و إنّ سقوط التكليف لمجرّد عدم القدرة و الاستطاعة  يعني سقوط الإسلام، لأن هذا المبدأ هو بمثابة الأصل و العمود للدين..
« إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، سبيل الأنبياء، و منهاج الصلحاء، بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب..و بها تفتح الطريق ويصبح الكسب حلالا وتردّ المظالم و تعمّر الأرض..» (57)             

* قدسية الحركة الحسينية :
إن قدسية الحركة الحسينية ترجع إلى ثلاثة عوامل :
أولها: سمو ورفعة و قدسية الهدف الذي قامت من أجله الحركة.
« اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا منافسة في سلطان..»
« وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة و حيرة الضلالة.. »
ثانيا: الظروف الخاصة المحيطة: ففي ظل هيمنة الظلم و الجور و الاستبداد يصبح التفكير في النهضة و الحرية فنّا (و إقلاعا عكس التيار)..
ثالثا : عظمة و قدسيّة القيادة المتمثلة بالإمام الحسين(ع).

* شعارات كربلاء :
إن احد أهداف الحزب الأموي هو إحياء الجاهلية و محاربة الإسلام تحت شعارات ظاهرية زائفة..غير أن شعارات كربلاء كشفت عن زيف ذلك و مزّقته وانتصرت عليه..
« ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّا..»
« لا أرى الموت إلا سعادة، و الحياة مع الظالمين إلا برما..»
إنما يميّز الشعارات الكربلائية أنها شعارات إحيائية تنبع منها الحياة..
« يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم..» (58)  

* حول نتائج الحركة الحسينية :
من هذه النتائج :
أولا : بعد واقعة كربلاء لم ينعم يزيد بالاستقرار فقد واجهته، انتفاضة المدينة المنورة ثم حركة ابن الزبير و قضية مكة المكرمة، ثم تتالت على الحكم الأموي التمرّدات تحت شعار " يا لثارات الحسين". و استمرت لستين عاما حتى أتت على الأمويين وحكمهم..
ثانيا: كشف الستار عن حقيقة بني أمية ونفاقهم و الفصل بين مقولة السلطة (أو الخلافة) وبين الدين إلى الأبد..
ثالثا: إعادة الاعتبار للقيم الإسلامية العظيمة التي كادت تنسى بعد مرور نصف قرن على وفاة الرسول الأعظم (ص).
و يمكن القول بأن هذه النهضة قد نفخت في الأمة روحا جديدة و حرّكتّها و أيقظتها بعد سباتها و موتها، و أثارت غيرتها و حميّتها على دينها و أعطتها دروسا بليغة في المقاومة و الصبر و الثبات وأسقطت عنها حاجز الرعب و الخوف و التردد..حتى صار شعار " بالثارات الحسين: أنشودة للثائرين ضدّ الظلم و الجور و الطغيان و صار الحسين(ع) رمزا للأحرار و الثوار حتى من غير المسلمين..
رابعا: و من الآثار الأخرى التي تركتها النهضة الحسينية هي رفعها من درجة محبوبيّة الإمام الحسين(ع) إلى أعلى درجة ممكنة حتى أضحى الإمام شهيد الأمّة و قائدها و قدوتها بل و نشيد الإنسانية الخالد..وذلك  مصداقا لقوله تعلى : « إنّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا»(59)        
« إن للحسين محبة مكنونة في قلوب المؤمنين»
وصدق الحسين(ع) حين قال في يوم عاشوراء:« وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم..» (60)
وصدق من قال:« بأن الإسلام نبويّ الحدوث وحسيني البقاء..»

* كلمة حول موقف العقلاء(عند بداية الحركة):
إن ما يثير الإعجاب و الاعتزاز في النهضة الحسينية أنها لم تحض بإجماع عقلاء القوم لا لكونها دون عقولهم بل لأنها ما فوق فكرهم و تصورهم القاصر عن إدراك أهدافها و غاياتها العظيمة و المقدسة..
إن منطق هؤلاء الذين نصحوا الإمام بعدم الخروج إنما يقوم على منطق السلامة العامة و حفظ النفس و الأهل..
في حين أن الحسين(ع) إنما يقوم على ضرورة حفظ الدين و الإيمان و العقيدة( والسلامة في الآخرة)..
إن بعض العرفاء الذين نظروا إلى النهضة من زاوية عرفانية سمّوها مدرسة العشق..(تركت الخلق طرّا في هواك..)،«..ومصارع عشاق..»
إن السؤال عن سبب تحرك الحسين(ع) وهو وحيد يشبه السؤال عن سبب تحرك الأنبياء و الرسل ومنهم الرسول الأعظم(ص) لأن الحسين(ع) قد سلك نفس الطريق. وبالتالي فان الاعتراض الذي يوجّه له يمكن أن يتوجه إليهم..

* حول الشهادة و الشهداء :
إن الشهادة تؤدي إلى إحداث حالة نورانية في المجتمع تشبه إلى حدّ ما الحالة النورانية التي تحصل للأفراد من خلال بعض أعمال الخير..
و تتميّز حركة الشهيد بميزات ثلاث:
۱- أنه يقتل في سبيل تحقيق هدف عظيم و مقدس،
۲- أنه يكتسب درجة الخلود،
۳- يِؤدي إلى خلق حالة من الطهر و الصفاء في المجتمع.
وبفضل تضحيات الشهداء يرفرف اليوم علم التوحيد في ربوع عالمنا الإسلامي..

الفصل الرابع: " إحياء عاشوراء"
 قبل أن نرثي الحسين(ع) يجب أن نعرفه، إذ لا فائدة من رثاء من لا نعرف!
و حينما نتعرف على شخصيته في عظمتها وقدسيتها نرثيه حينئذ بطلا وقائدا وملهما وإماما..لأنه لا معنى ولا فائدة من رثاء رجل ضعيف و مستضعف، مسكين و مستكين، مظلوم و لا حيلة و لا وسيلة و لا يد له، فيما جرى و يجري في التاريخ..
فهكذا أمر لا يحتاج إلى رثاء و إحياء و تخليد..
حينما نحي عاشوراء يجب أن نحي فيها البطولة و الشجاعة و الفداء. عسى أن تنطبع في أنفسنا معاني الشرف و الإنسانية و الكرامة و عزة النفس و الإباء..و عسى أن تنعكس ظلال عاشوراء العظيمة على أنفسنا فتزداد غيرتها على الحق و تنتفض ضدّ الظلم و الظالمين..
يجب أن نتعلم من عاشوراء معاني الحرية و الاستقامة و الثبات على الحق مهما كان الثمن و التكلفة..
لكن من زاوية أخرى ( اجتماعية- جنائية )، فإن عاشوراء تعدّ مظهرا من مظاهر تردّي و انحطاط المجتمع الإسلامي فإننا يجب أن نذكرّ بها لكي لا يتم تكرارها و استنساخها.
إن هذا التذكير هو أشبه بالحسرة و" الآهات " التي ترددها الأمة باستمرار حينما تتساءل: أحقا نحن (المسلمون) ارتكبنا مثل هذه الجريمة؟
إن الوجه الحقيقي لعاشوراء هو ذلك الوجه النوراني و المشرق الممثل بروح الحسين(ع) . و إنا حينما نحي عاشوراء يجب أن نحي فيها هذا الوجه الناصع و المشرق..
إن قراءة التعزية يجب أن تكون وسيلة لتحريك الأمة وإحياء روح البطولة و الغيرة لديها..
 إن الروايات الكثيرة الواردة عن الأئمة(ع) حول عاشوراء تجمع على ضرورة إحياء و تخليد هذه الذكرى و المناسبة العظيمة و لعلّ الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو الحرص على تخليد وإحياء الإسلام المجسّم و المتمثل بتلك الحادثة..كما يمكن أن يكون الهدف من تعليمات الأئمة الأطهار(ع) هو رغبتهم بأن نتخذ من عاشوراء مدرسة تربوية خالدة..
" إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا.."
إن أصحاب المنبر الحسيني عادة ما يقومون بتضخيم الجانب الكارثي من الواقعة فيتفنّنون في إبراز الظلم و الوحشية و البشاعة..
إن العظمة هي للنور لا للظلام، و للسعادة لا للشقاء، و للخير لا للشر، و للإيمان لا للكفر..
إن مدرسة العزاء الحسيني هي مدرسة تمرد و ثورة و ليست مجرد رثاء وحزن، فواقعة كربلاء كانت على مرّ العصور سببا في دكّ عروش الظلمة و الطواغيت..
إن الغاية من البكاء والإبكاء هو تخليد هذه المناسبة و الذكرى العظيمة و الإلهية، لكن يلاحظ بأن العزاء و البكاء لم يعد وسيلة بل غاية في حدّ ذاته، و فنّا لا يتقنه إلا الخواص و مورد رزق للكثيرين..

* كربلاء لوحة فريدة خالدة :
لا نبالغ إذا قلنا بأن كربلاء كانت أعظم لوحة للتضحية و الفداء و العطاء و الوفاء في تاريخ البشرية. وهي إلى جانب ذلك تميّزت بما يلي:
أولا: أنها أعطت دروسا عظيمة في العقيدة و التوحيد الخالص و اليقين و الإيمان و كانت مظهرا من مظاهر الإيمان الراسخ و النفس المطمئنة و الروح العظيمة..
ثانيا: أعطت دروسا حية في الصبر و الثبات و المقاومة و التسليم و الرضاء.
ثالثا : كانت تجسيدا للإسلام بكل أبعاده و مفاهيمه..
رابعا : كانت تجسيدا لكافة المثل و القيم المجرّدة العظيمة..
خامسا : كانت مدرسة تربوية خالدة.
سادسا : أعطت دروسا عملية في العرفان و العشق الإلهي..

* كلمة حول التحريفات :
من بين التحريفات التي ابتليت بها النهضة الحسينية هو القول بأن الحسين(ع) قد فدى الأمة بنفسه أي إنه إنما استشهد ليحمل على كاهله أخطاء و ذنوب أمته..و هذا القول هو الشائع لدى المسحيين حول المسيح(ع) و قد تسرّب إلينا منهم..وهذه النظرة تسيء إلى الحسين(ع) ونهضته فتجعل منه درعا لذنوب و جرائم و سيئات الآخرين.
ومن التحريفات الأخرى هو الادعاء بأن نهضة الحسين(ع) كانت لها خصوصية معينة وبالتالي فهي تشكل حالة استثنائية لا تدخل ضمن التجربة البشرية التاريخية فلا يمكن تكرارها و لا الاستفادة منها..
على أنّ أكثر الجوانب إيلاما في شهادة الحسين(ع) هو إدّعاء أعدائه بأنهم "يتقربون إلى الله بدمه".
يقول الإمام الباقر(ع) :"إن ثلاثين ألفا اجتمعوا في كربلاء لقتل ابن النبي وكل يتقربون إلى الله عز وجل بدمه".(61)

وآخر دعوانا أن الحمد لله  رب العالمين
أبو علي الحسيني- تونس 2005
الهوامش:
(1)-(البقرة: الآية 30)
(2)-( نهج البلاغة – خ ۱۸٤)
(3)-(نهج البلاغة – خ ۱٤۷)
(4)- من المفيد أن نذكر هنا بما قاله المفكر و الشاعر "إقبال اللاهوري" : ربّ شاعر يولد بعد موته.."
(5)- أما المانع فيمكن القول بأنه، قطعا، لم يكن ذاتيا بل كان موضوعيا لعدم تهيئ الأسباب و الظروف المناسبة، و التي ما إن بدأت بالتهيؤ لمجيء يزيد حتى أعلن الإمام عن تحركه..
(6)- (النهج – خ ۹۱)
(*)- وقفة مع الفتوحات : هناك عدة أسئلة  برسم الإجابة حول موضوع الفتوحات نذكر منها :
 1- هل كان من الحكمة الاستعجال بالقيام بالفتوحات؟ مع أن النبي(ص) لم يوص بها؟
2- ألم تؤد الفتوحات إلى خلق مجتمع غير متجانس؟
3- ألم يكن الأفضل انتظار رسوخ الإسلام بين العرب، ومن ثم انتشاره سلميا إلى الشعوب الأخرى، و بشكل طبيعي؟
4- ألم تؤد الفتوحات إلى إفساد العنصر العربي داخل المجتمع الإسلامي؟ أخلاقيا و اجتماعيا و إنسانيا؟
5- ألا يمكن القول بان خطر القضاء على الإسلام قد كان قائما من خلال تمرّد و انتفاضة الشعوب التي أسلمت حديثا فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه في عهد يزيد؟

(7)-(التوبة / ۱۱٢-۱۱۳)
(8)- (البحار ج ٤٤/ص ۳٦٧).
(9)-(القصص/٢۰)
(10)-(مقتل الخوارزمي ص ٦-٧)
(11)- ( نهج البلاغة – الخطبة ۳"الشقشقية")
(12)- ( تاريخ اليعقوبي ج ۲/۲۳٥٥)  
(13)- (البحار ج ٤٤/ص ۳٦٤- مقتل المقوم ص ۱٦٥)
(14)- (البحار ج ٤٤/ص ۳٦٦- الخوارزمي ج ٢/ ص٥)
(15)- (الطبري ج٦/ص ۲۲۹- البحار ج٤٤/ص۳۸۱)
(16)- (البحار ج٤۲/ص۲٥٤)
(17)- (النهج/خ٥)
(18)-(من دعاء الحسين(ع) يوم عرفة)
(19)- (الطبري ج ٤/ ص ۳۰٤ )
(20)-(نفس المهموم ص ۱۱۰)
(21)- (ابن عساكر ج ٤/ ص ۳۳۳- م الخوارزمي ج ٢/ ص ٧٦ )
(22)-   نبذة عن أخلاق و صفات و أبطال الصفحة الجنائية من كربلاء :
أما الشمر فكان أبرص، كريه المنظر، قبيح الصورة، و كان يصطنع المذهب الخارجي..
و أما مسلم بن عقبة فكان أعور أمغر، ثائر الرأس، كأنما يقلع رجله من وحل إذا مشى.
و أما عبيد الله بن زياد فكان متهم النسب، يعيّرونه بأمه مرجانة وكان ألكن اللسان ميت القلب، يقتل النفس و هو يلهو و يلعب و كأنه لم يفعل  شيئا.
إن الخبث الباطني لأصحاب ابن سعد هو الذي زاد الصفحة القاتمة من كربلاء سوادا فالطمع و الخوف لا يمكن أن يبررا ما حصل من جرائم التنكيل و التمثيل و قتل الأطفال و منع الماء ووطء الخيول لجسد الحسين(ع).
(23)-(الكافي ج ٤/ ص ۱٤٧)
(24)- كان الإمام الحسين(ع) يقوم بعملية غربلة بين أصحابه باستمرار. كان آخرها ليلة العاشر. ويعود السبب في ذلك - برأي القاصر -  إلى أمرين : أولهما إن حركة الإمام الحسين(ع) وثورته هي حركة واعية لا يشترك فيها إلا من كان يدرك أهدافها.   و لذلك فان للإرادة الحرة و الاختيار دورا كبيرا فيها. و لذلك لم يفعل الحسين(ع) بأصحابه كما فعل طارق بن زياد بجنده عند فتح الأندلس.
ثانيا : إن مدرسة الحسين محراب طاهر لا يدخله إلا من امتحن الله قلبه للإيمان و كان من المخلصين.
ويلاحظ من إجابات الأهل و الأصحاب أنهم كانوا يعيشون حالة ذوبان و انصهار و اندكاك في شخصية الإمام الحسين(ع) إلى الدرجة التي كانوا يرون معها أن وجودهم في طول وجوده لا في عرضه..و هذا من خصوصيات القيادات الربّانية (لا سيما المعصوم منها)..   
 (25)- (مقتل المقرم ص ۳۰۳)
(26)- (البحار ج ٤۰/ ص ٢٨- م الخوارزمي ج ۲/ ص ۲۲)
(27)- (البحار ج ٤٥/ ص ٢٧- م الخوارزمي ج ٢/ ص ۲۲)
(28)- (البحار ٤٥/ ص ٤٤- م الخوارزمي ج ٢ص ۳۱)
(29)-(الطبري ج ٦/ ص ۲٥٧)
(30)- إن من العجيب و الملفت أن واقعة كربلاء توالت أحداثها و تتابعت وتداخلت بحيث يتصور الإنسان أنها إنما أعدّت  و أخرجت  لتصبح خالدة إلى الأبد.
(31)- ( اللهوف ص ٥۰ )
(32)- طلب من الحسين(ع) ذات مرة أن يروي لهم حديثا عن جدّه(ص) فقال : سمعت من رسول الله (ص) أنه قال :
« إنّ الله تعالى يحبّ معالي الأمور و أشرفها و يكره سفا سفها.. »( جامع الصغير ج ۱/ ۷٥)
 « ألا حرّ يدع هذه اللماظة إلى أهلها..»
(33)- (الكامل لابن الأثير ج ۳/ص)
(34)-( مقتل المقرم ص ۳٤۸)
(35)- ( مقتل المقرم ص  ۳٥٧  )
(36)- ( البحار ج ۱۰۱/ ۲٤۰)
(37)- (البحار ٤٥/ ص ٥٩- اللهوف ص ٥٦- المقرم ص ۳۹٦)
(38)- (البحار ج ٤٥/ ص ۱۳٥)
(39)- ( منتهى الآمال ج ۱/ ص ۳٥٦- إبصار العين ص ۳۱)
(40)- ( الطبري ج ٤- ص ۳٥۷)
(41)- ( تذكرة السبط - ص ۲٥۹)
(42)-   (الطبري ج ٤/ ص ۳٥٦)
(43)- ملكنا وكان العفو منا سجيّـــة             فلما ملكتم سال بالدّم أبطــــــح
        وحلّلتم قتل الأسارى فطالمـــا        غدونا على الأسرى فنعفو ونصفـــــح
        فحسبكم هذا التفاوت بيننــــا        وكلّ إناء بما فيه ينضــــــــــح
(ابن الصيفي)
(44)- ( الطبري ج٤/ ص ۳٥۹)
(45)- في الواقع لم أجد لفظا يمكن التعبير به عن حركة الإمام الحسين(ع) بدقّة و عناية..فهي تزخر بالمعاني العظيمة..فلا نستطيع القول مثلا بأنها ثورة أو حركة أو نهضة لأنها أكبر من ذلك..لكن من باب المسامحة جاريت من أطلق عليها تسمية النهضة..
 (46)- (من وصية لأخيه محمد بن الحنفية) و (مقتل الخوارزمي /ج۱ص ۱۸۸)
(47)- ( الطبري ج ٤/ص ۳۰٤)
(48)- (فروع الكافي ج٥/٥۹)
(49)- (فروع الكافي ج٤/ص ٥٦)
(50)- (المائدة/ ۷٩)
(51)- ( آل عمران/ ۱۰٤)
(52)- ( هود ۱۱٦-۱۱۷)
(*)- من بين الأمور الّتي يمكن استنتاجها من هذه الآية الكريمة:
    أ- وجوب النّهي عن الفساد.
    ب- أنّ المعيار ليس بالقلّة و لا بالكثرة (أولو بقيّة).
    ج- أن المشكل هو في فساد المترفين.
    د- العدل هو أساس الملك و العمران ( بقاء الأمم).
(53)- (آل عمران ۱۱۰)
(54)- نظرا لأهميّة هذا المبدأ ( الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر) فإنّ المعتزلة كانوا يعتبرونه أصلا من أصول الدّين..
(55)- ( نهج البلاغة /۱٧٥)
(56)- (نهج البلاغة/۱۸٩)
(57)- أمير المؤمنين(ع)
(58)- ( الأنفال/ ۲٤)
(59)- (مريم/ ٩٦)  
(60)-(الطبري ج٤/۳٤٦- م الخوارزمي ج٢/۳٤)
       (61)- " من البلاء على هذه الأمّة أنا إذا دعوناهم لم يجيبونا، وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.."                                                                                                        الإمام الحسين(ع)