الثلاثاء، 11 جانفي 2011

خواطر: "تونس على مفترق طرق"


بسمه تعالى
خواطر: "تونس على مفترق طرق"

 (1)
على الشاطئ الجنوبي للمتوسّط، تقف الخضراء شامخة مزهوّة بما حبتها الطبيعة  من جمال وحسن جعلها قبلة للعشّاق الولهين وهدفا للغزاة الطامعين الذين تعاقبوا على أرضها قبل أن تتهاوى عروشهم على أيدي الفاتحين المسلمين..
ولم تكد تنفض عن نفسها غبار الاحتلال  ،في منتصف القرن الماضي، حتى غرقت البلاد في ظلام دامس بسبب تسلّط أنظمة سياسيّة مستبدّة ،أعدّها المحتلّ للنيابة عنه، بعد أن استحال عليه الاستمرار في إدارة البلاد ونهب ثرواتها بشكل مباشر..
وكانت هذه النخب في مستوى الآمال المعلّقة عليها من قبل وليّ نعمتها الأجنبي، فاستطاعت الوفاء بما أعدّت له، فساست البلاد والعباد وفق ما أمرت به.. !        ولم تعكّر صفو حكمها الثقيل على صدور أبناء شعبها، سوى بعض الصرخات والمحاولات التي وُوجهت بكلّ حزم..فسالت الدماء وأزهقت  الأنفس البريئة وامتلأت المعتقلات والسجون بكلّ حرّ يأبى الضيم و يرفض أن ينحني ..
وفي الألفيّة الجديدة كانت الحرب على ما يسمّى بالإرهاب حيلة خبيثة استغلها الحكام للمزيد من البطش والتنكيل والتضييق والإرهاب.. إلى أن وقعت حادثة سيدي بوزيد الشهيرة حينما أقدم الشاب  محمد البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجا، فأشعل انتفاضة شعبيّة ضد الظلم والفقر والتهميش لا يزال صداها يتردّد في أرجاء الكون، ولا تزال تداعياتها تتفاعل ودائرتها تتسع منذرة بتحوّلات كبيرة وخطيرة قد تعمّ المنطقة بكاملها..


*************
(2)

ولئن كانت تونس صغيرة بحجمها وثرواتها، فإنّها  كبيرة بتاريخها وأمجادها..
فكانت على مرّ العصور محطّ الرّحال ومنارة للعلم والفكر والحوار، فأنجبت عظماء الرّجال الذين أثروا رصيد الإنسانيّة الفكري والثقافي والحضاري في أكثر من مجال..
لكن رغم تلك الأمجاد فإنّ التاريخ الحديث لتونس، شهد تراجعا لعدّة أسباب، أهمّها الاستعمار المباشر وما خلّفه من آثار، وما تلاه من هيمنة بعض النخب السياسيّة الغريبة عن أرضها وبيئتها، المنسلخة عن أصولها وجذورها، البعيدة عن تطلّعات شعبها..فكانت البلاد وعلى مدى أكثر من نصف قرن مسرحا لتجارب اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة آل معظمها إلى الفشل..فكان الشعب دوما هو الضحيّة..
ورغم أنّ دستور البلاد ينصّ على أنّها جمهوريّة وليست ملكيّة، فإنّ التداول المحتشم على الحكم فيها منذ الإستقلال، حيث لم يتعاقب عليها سوى رئيسان (أحدهما لا يزال يحكمها منذ أكثر من 23 عاما)، كان أحد أبرز وأخطر أسباب أزماتها المتعاقبة..
ورغم الإنجازات الهامّة والنجاحات الظاهريّة الواعدة التي حقّقتها البلاد على المستوى الاقتصادي خلال العشريّة الأخيرة، إلا أنّ هذا الحلم سرعان ما يتبدّد إذا نظرنا إلى الجانب الاجتماعي، لا سيّما فيما يتعلّق بعدالة التوزيع والتوازن بين الجهات والفئات والطبقات..حيث استأثرت فئة قليلة بالنصيب الأكبر و الحظ الأوفر من هذه الإنجازات، ممّا خلق نوعا من الخلل  ما فتئ يزداد ويتعمّق يوما بعد يوم منذرا بانفجارات خطيرة قد تأتي على الأخضر ولا يسلم من ويلاتها اليابس..
و طبعا لم يسمح النظام السياسي القائم، وهو الذي يستأثر بالحكم منذ أكثر من عقدين، و يعتمد على القبضة الأمنيّة الحديديّة، لأبناء الشعب أن يعبّروا عن آلامهم وآمالهم فضلا عن أوجاعهم..
ورغم النداءات المتكرّرة التي أطلقها عقلاء القوم محذّرين ومنذرين من سوء عواقب الأمور، لكنّ نداءاتهم لم تجد آذانا صاغية، من قبل النظام المزهوّ بنجاحاته المغترّ بقوّة آلة بطشه وزبانيته..إلى أن وقع ما وقع خلال الأحداث الأخيرة..

ورغم ذلك فإنّ هذا النظام لا يزال يصرّ على نفس النهج الذي أثبت فشله خلال أكثر من نصف قرن، ويستصحب وسائل وأساليب بدائيّة قد عفا عنها الزمان ،وذلك  بدلا من القيام بمراجعة شاملة وصولا إلى قرارات شجاعة تبدأ بالانفتاح السياسي والحوار مع جميع فئات الشعب ومكوّناته بدون أي استثناء أو إقصاء ،لتنتهي بمصالحة وطنيّة شاملة تسهم في ترميم الجبهة الداخليّة وتماسكها أمام العواصف التي قد تطرأ في القادم من الأيّام.
(..يتبع)





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق