الجمعة، 10 ديسمبر 2010

مع الإمام الحسين بن علي عليه السلام



ثالث أئمّة أهل البيت(ع)، ولد في الخامس من شعبان سنة أربع من الهجرة، وبين ميلاده وميلاد أخيه الحسن عشرة أشهر وعشرون يوما. وردت في فضله وفضائله الكثير من الرّوايات منها:
قول النّبي (ص): << حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا، حسين سبط من الأسباط >>(1)
شخصيّة الحسين:
تعدّ شخصيّة الإمام الحسين شخصيّة مميّزة واستثنائيّة، وقد تجلّت بعظمتها و بجميع أبعادها في يوم عاشوراء على أرض كربلاء، حيث الملحمة الإنسانيّة الخالدة التي كانت ولا تزال مثار الاهتمام والإعجاب والاعتزاز على مدى العصور والدّهور..
قال تعالى: << إِنّ اللّهَ اشترَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسهُمْ وَ أَمْواَلهَُم بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّةَ يُقَاتِلُونَ في سبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّا في التّوْرَاةِ وَ الإنجيل وَ الْقُرْءَانِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاستَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَ ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. التائبون العابدُون الحامدُون السائحُون الرّاكعُونَ الساجِدُونَ الآمرون بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنكرِ وَ الحَْافِظونَ لحُِدُودِ اللّهِ وَ بَشرِ الْمُؤْمِنِينَ  >>(2)
هاتان الآيتان هما خلاصة الحركة الحسينيّة، من منطلقها إلى غايتها ، فلقد تجسّدت فيها هذه المعاني العظيمة و المقدّسة بأرقى وأصدق تجلّياتها..
ونظرا لأهميّة الموضوع فإنّنا سنحاول العودة بثورة الحسين إلى جذورها وبداياتها..
التّفكير في الثّورة:
ورد في بعض الرّسائل التي بعثها الإمام الحسين (ع) إلى معاوية ما يلي: << يا معاوية بن أبي سفيان.. و أيم الله ..ما أردت حربا ولا خلافا، وإنّني لأخشى الله في ترك ذلك..>>
<< و الله إنّي ما أعرف أفضل من جهادك..وإن لم أفعله فأستغفر الله لديني..>>
و يستفاد من ذلك أنّ التّفكير في الثّورة لم يكن غائبا عن ذهن الحسين(ع) وذلك لوجود المقتضي..
فتنة بني أميّة:
قال أمير المؤمنين(ع) في إحدى خطبه:
<< ألا و إنّ أخوف الفتن عندي عليكم، فتنة بنى أميّة، فإنّها فتنة عمياء مظلمة، عمّت خطّتها، وخصّت بليّتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها. (3)
..و الله لا يزالون حتّى لا يدعوا لله محرما إلاّ استحلّوه، و لا عقدا إلاّ حلّوه، وحتّى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلاّ دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعيهم..>>(4)
يرى بعض الباحثين، ( ومنهم الدّكتور عبد الله العلا يلي)، أنّ بني أميّة، وخلافا لكلّ القبائل العربيّة،لا يشكّلون تجمّعا عرقيّا فقط بل إنّ طريقة عملهم ونشاطهم هي أشبه ما تكون بطريقة الحزب، أي أ نّهم كانوا يعبّرون على تصوّر فكري- اجتماعي خاص،أشبه ما يكون باليهود، وهذا ما برز عبر تاريخهم منذ ما قبل الإسلام وإلى حين استئصالهم.
وصدق أمير المؤمنين (ع)، وهو الصّادق دائما، حين قال عنهم:
<< فوالذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، ما أسلموا ولكن استسلموا، وأسرّوا الكفر، فلمّا وجدوا أعوانا عليه أظهروه >> (5)
فها هو أبو سفيان ينادي فيهم:
<< تلقّفوها.. تلقّفوها بني أميّة تلقّف الكرة، أما والذي يحلف به أبو سفيان، ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة..>>
ولقد تحقّقت أمنية أبي سفيان..إذ كان الأمويّون بحاجة إلى ثلاثة عوامل فقط لتحقيقها:
1-الإيديولوجية السّياسيّة
2-الثّروة والقوّة الماديّة
3-القوّة المعنويّة( أو الشرعيّة الدّينيّة)
أمّا الأولى فكانت متوفّرة لديهم، وقد بنوها على أكذوبة تفوّقهم العرقي على قريش وبالتاّلي على كلّ العرب..و من ثم على جميع الأمم..
وأمّا الثّانية فلقد تحقّقت لهم بفضل عثمان..
وأمّا الثّالثة، المتمثّلة في الدّين، فقد تمكّنوا من استغلاله واستخدامه لبلوغ مآربهم لا سيّما بعد مقتل عثمان، ومعركة الجمل التي فتحت أمامهم الباب على مصراعيه و أعطتهم الذّرائع ومهّدت لهم السّبل..
لكن رغم ذلك، فإنّ مجيء يزيد إلى السّلطة قد أخلّ بالتّوازن بين هذه العناصر وأفقد الأمويّين السّيطرة على عامل الدّين، ممّا أسهم في التّعجيل بنهاية حلمهم بل ونهايتهم..
ويمكن الجزم بأنّ مجيء يزيد كان غلطة كبرى قام بارتكابها الحزب الأموي.
فهو، زيادة على أنّه لم يتمكّن من تنفيذ برنامج حزبه وسياسته، فإنّه قام بأعمال أسقطت القناع عن حزبه وفضحته وكشفته أمام أعين النّاس..
وقد كان معاوية قلقا جدّا بشأن مستقبل يزيد لما يعلمه عنه من جهل وغرور..ولذلك قدّم له الكثير من النّصائح في أيّامه الأخيرة. حتّى أنّه بيّن له كيفيّة التّصرّف مع عبد الله بن الزّبير ومع عبد الله بن عمر، ونصحه باللين وعدم الخشونة مع الحسين(ع). وممّا قاله له :
<< إنّه ابن النّبي، وإنّ له مكانة عظيمة عند المسلمين، فإيّاك واستخدام الخشونة معه..>>
لأنّ معاوية كان يدرك، بدهائه وبُعد نظره، مدى خطورة ذلك وعاقبته على يزيد خاصّة وعلى بني أميّة عامّة..
لكن غرور يزيد وجهله وغباء ه السّياسي قد أوقعه في المحذور..لاسيّما وأنّه كان محاطا بمستشارين يضمرون الحقد على الإسلام و المسلمين. وقد قاموا بتحريضه على الحسين(ع) ليضربوا عصفورين بحجر: قتل الحسين(ع) ثمّ القضاء على الإسلام.
ولذلك كان الإمام الحسين (ع) يردّد : << وعلى الإسلام السّلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد >>. فوجود يزيد بحدّ ذاته في السّلطة كان يمثّل حربا على الإسلام..
بيعة يزيد:
لم يكن أمر يزيد خافيا بين المسلمين بل إنّ فسقه وفجوره ومجونه ممّا سارت به الرّكبان.
ولذلك عدّ الحسن البصري بيعة يزيد من موبقات معاوية..
قال الحسن البصري: << أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة: إنتزائه على هذه الأمّة بالسّفهاء حتّى ابتزّوها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصّحابة وذوو الفضيلة. واستخلافه ابنه بعده سكّيرا خمّيرا يلبس الحرير ويضرب بالطّنابير. وادّعائه زيادا، وقد قال رسول الله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر. وقتله حجرا، ويلا له من حجر و أصحاب حجر، قالها مرّتين..>>(6)
لقد مهّد معاوية لبيعة يزيد بإزاحة الحسن(ع) من طريقه لعلمه بأنّ الثلّة الصاّلحة من الأمّة لن تخبت له ما دام الحسن(ع) موجودا لاسيّما وأنّه قد أعطاه العهود والمواثيق ليكون له الأمر بعده أو لمن ترتضيه الأمّة.
قال أبو الفرج:<< أراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن ابن علي وسعد ابن أبي وقّاص، فدسّ إليهما سمّا فماتا منه.>> (7)
وبعد مقتل الحسن(ع) تمكّن معاوية من انتزاع البيعة ليزيد بالتّرغيب والتّرهيب والخداع..
ولقد جرّت بيعة يزيد الويلات على الأمّة. وكان الخطر يتهدّد الدّين في الصّميم، لا سيّما وأنّ هذا الخليفة الشّاب كان يتجاهر بالكفر والفسق والفجور، ( والنّاس عادة على دين ملوكهم..) وكان شبح الارتداد يتهدّد المسلمين كافّة، هذه الأمّة التي استطاعت ،وفي فترة وجيزة ،أن تبني منظومة عظيمة من القيم الأخلاقيّة والمثل الرّفيعة والتّشريعات.
وممّا جرّته بيعة يزيد التي انتهكت كافّة المقدّسات : واقعة الطفّ والحرّة وحادثة تدمير الكعبة..
ثورة الحسين:

كانت بيعة يزيد خطرا عظيما يتهدّد الأمّة والدّين، وكان لا بدّ من تصحيح الانحراف ولو بسفك المهج والتّضحية بالغالي والنّفيس، فكانت ثورة الحسين(ع).
وكان من نتائجها :
إزالة الشّرعيّة عن منصب الخلافة وتعريته من لبوس القداسة الدّينيّة المزيّف..كما أدّت إلى فضح يزيد وكشف حقيقته، وأوجدت حالة من المعارضة والرّفض للظّلم والانحراف، وبذرت بذور ثورات لا زالت تتفاعل إلى يومنا هذا..
إنّ كربلاء الحسين بما حملته من قيم، أقضّت مضاجع الأمويّين وزلزلت عروشهم وأتت على دولتهم ومحت ذكرهم من الوجود..
ومن نتائجها أيضا:
إعادة الاعتبار للقيم الإسلاميّة العظيمة التي كادت تنسى بعد مرور نصف قرن على وفاة الرّسول (ص).
ويمكن القول بأنّ هذه النّهضة قد نفخت في الأمّة روحا جديدة وأيقظتها بعد سباتها وموتها، وأثارت غيرتها وحميّتها على دينها وأعطتها دروسا بليغة في المقاومة والصّبر والثّبات وأسقطت عنها حاجز الرّعب والخوف والتّردّد..حتّى صار شعار "يا لثارات الحسين"، أنشودة للثّائرين ضد الظّلم والجور والطّغيان. وصار الحسين (ع) رمزا للأحرار و الثّوّار حتّى من غير المسلمين..
مراثيه(ع):
تبارى الشعراء والأدباء والفصحاء في رثاء الحسين(ع)، فقالوا وأجادوا. ولا عجب في ذلك فإن<< للحسين محبّة مكنونة في قلوب المؤمنين>>.
وإنّ من نتائج الحركة الحسينيّة أنّها رفعت الإمام الحسين(ع) إلى أعلى درجة ممكنة. حتّى أضحى الإمام شهيد الأمّة وقائدها وقدوتها بل ونشيد الإنسانيّة الخالد..وذلك مصداقا لقوله تعالى:<< إنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات سيجعل لهم الرّحمان وُدّا>>(8)
ويذكر أصحاب السّير بأنّ أوّل من رثى الإمام(ع) هو سليمان بن قتّة ألعدوي التّيمي، الذي مرّ بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاث << فنظر إلى مصارعهم، واتّكأ على فرس له عربيّة، وأنشأ يقول:

مررت على أبيات آل محمّـــــد ***    فلم أرها أمثالها يوم حلّــــــــت
و كانوا رجاء ثمّ أضحوا رزيّـــة ***   لقد عظمت تلك الرّزايا وجلّــــــت
فلا يبعد الله الدّيار و أهلــــها    ***  وإن أصبحت منهم برغمي تخــــــلّت
وإنّ قتيل الطفّ من آل هاشــــم *** أذلّ رقاب المسلمين فذلّــــــــت >> (9)

ومن قصيدة لدعبل الخزاعي جاء فيها:
<< ذكرت محلّ الرّبع من عرفـات ***   فأجريت دمع العين بالعبـــــــــرات
وفلّ عرى صبري وهاجت صبابتـي *** رسوم ديار أقفرت وعــــــــــرات
مدارس آيات خلت من تــــلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصـــــــــات
لآل رسول الله بالخيف من منــى*** وبالرّكن والتّعريف والجمــــــــــرات
قفا نسأل الدّار التي خفّ أهلـــها*** متى عهدها بالصوم والصّلـــــــــوات؟
وأين الأولى شطّت بهم غربة النّـوى*** أفانين في الآفاق مفترقـــــــــــات ؟
قبور بكوفان وأخرى بطيبــــة*** وأخرى بفخّ نالها صلواتــــــــــــي
نفوس لدى النّهرين من أرض كربلا  *** معرّسهم فيها بشطّ فـــــــــــرات
تقسّمهم ريب الزّمان كما تــرى *** لهم عقرة مغشيّة الحجــــــــــــرات
إذا وتروا مدّوا إلى أهل وترهــم *** أكفّا من الأوتار منقبضـــــــــــات
سأبكيهم ما ذرّ في الآفاق شــارق *** ونادى منادي الخير بالصّلــــــــوات
وما طلعت شمس و حان غروبهــا *** وبالليل أبكيهم وبالغــــــــدوات >> (10)

ومن قصيدة لشاعر لبنان الكبير ( بولس سلامة ):
لا تقل شيعة هواة علــــــــــي ***إنّ في كلّ منصف شيعيـــــــــّا
إنّما الشّمس للنّواظر عيـــــــــد *** كلّ طرف يرى الشّعاع السّنيّـــــا
غاض نيرون في دماء النّصـــــارى *** فحباهم زرع الخلود نميّــــــــا
وأراق ( العبيّد )مهجة أهــــــل بيت *** فاستشهد الحسين أبيّــــــــــا
ومضى للهلاك وغد زيـــــــــاد *** ولواء الحسين ظلّ عليّـــــــــا
دمه السّمح جلّل الدّهر فخـــــــرا *** وجرى في القصور خصبا وريّــــــا
كلّما أعوز الميامين عــــــــزم *** لمسوه فعاد غضّا طريـــــــّا >> (11)

من أقواله عليه السلام:
1- << من أحبّك نهاك، ومن أبغضك أغراك >> (12)
2- << من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو و أسرع لما يحذر >> (13)
3- << إنّ قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة >> (14)
4- << جاء رجل إلى الحسين، وقال له: أنا رجل عاص، ولا أصبر على المعصية، فعظني بموعظة يا ابن رسول الله.
قال الإمام: افعل خمسة أشياء، وأذنب ما شئت.
قال الرجل: هات يا ابن رسول الله.
قال الإمام: لا تأكل رزق الله، وأذنب ما شئت.
قال الرجل: كيف ؟ ومن أين آكل، وكل ما في الكون من رزق الله..! هات الثّانية
قال الإمام: الثّانية: اخرج من أرض الله، وأذنب ما شئت.
قال الرجل: هذه أعظم من تلك، فأين أسكن؟ هات الثالثة.
قال الإمام: الثالثة: اطلب موضعا لا يراك الله فيه، وأذنب ما شئت .
قال الرجل: كيف؟ ولا تخفى على الله خافية.
الإمام: الرّابعة: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك، فادفعه عن نفسك، وأذنب ما شئت.
فاضطرب الرجل، وقال: بقيت الخامسة، عساها تكون أهون الجميع..
قال الإمام: الخامسة إذا أدخلك مالك في النّار فلا تدخل فيها، وأذنب ما شئت.
قال الرجل: حسبي حسبي..لن يراني الله بعد اليوم فيما يكره >> (15)


ــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
 (1)- "الأدب المفرد" (ص:129) وسنن الترمذي " (ج5/ص:658-659) و " ذخائر القربى" (ص:133)
(2)- (التّوبة/ 112-113 )
(3)- طاهر عيسى درويش:"علي كما وصف نفسه" (ص:227)
(4)- المصدر السّابق (ص:228)
(5)- المصدر السّابق (ص:230)
 (6)- "تاريخ ابن عساكر" (ج2/ص:381) و " تاريخ الطبري" (ج6/ص:157)
(7)- أبو الفرج الأصفهاني: "مقاتل الطالبييّن" ( ص:29)
(8)- (مريم:96)
(9)- " أسد الغابة" ( ج2/ص:21-22) و "الدرّ النّظيم" ( ص:573) و"أعيان الشّيعة" ( ص:ج/ ص:622)
(10)-" ديوان دعبل" ( ص: 59-64) و" المناقب لابن شهر آشوب" ( ص:ج3/ ص:365)
(11)- بولس سلامة : "ملحمة الغدير" (ص: 325-326)
(12)- الشيخ محمد جواد مغنية :" موسوعة الإمام علي (ع)":(ص: 544 )
(13) ابن شعبة الحرّاني:"تحف العقول" ( ص:245-248 )
(14)- المصدر السّابق
(15)-" موسوعة الإمام علي (ع)" ( ص:546-547 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق