الخميس، 7 أكتوبر 2010

سياحة في عالم الجنّ



 بسمه تعالى
منذ خلق الله الإنسان وصوّره وفطره وأنعم عليه بالعقل و حباه بشتى القابليّات والملكات والإمكانات التي لا حدود لها، فإنّ هذا الكائن العجيب لم يتوقف عن البحث والتنقيب وسبر أغوار النفس والطبيعة والكون لاستكشاف العوالم المجهولة عنه وما أكثرها...
و يعتقد معظم علماء النفس بأن للنفس البشرية أبعاد أربعة يكون كل منها مبدأ لآثار ونتائج معينة.
وهذه الأبعاد هي :
1- البعد الخلقي المتمثل في حب الخير و النزوع إلى أعمال البر و المعروف ، وهو مبدأ القيم و  الأخلاق الفاضلة.
2- البعد المعرفي: المتجسد في حب الاستطلاع  و اكتشاف الحقائق ، وهو مبدأ و أصل لخلاقيّة الإنسان في شتى العلوم و المعارف و لولاه لما تقدم في هذه المجالات.
3 - البعد الجمالي: المتجلّي في عشق الإنسان للجمال و التناسق و الكمال، مما جعله مبدعا خلاقا في شتى الفنون.
4- البعد الديني (أو الروحي): وهو تعبير عن شوق الروح الإنسانية إلى مبدأ الوجود و تعلقها به. وهو يدعو إلى الاعتقاد بوجود عالم آخر وراء عالمنا يستمد منه هذا الأخير وجوده و بقائه، و أن حياة الإنسان بكل خصوصياته و خصائصه مرتبطة بذلك العالم مستمدة منه قائمة به.
إنّ ملكة حبّ الاستطلاع واكتشاف الحقائق تعد بعدا أصيلا في الإنسان ، ولذلك نراه، أحيانا ، يضحّي بأغلى ما عنده من مال ونفس في سبيل التوصّل إلى كنه وحقائق وقوانين الظواهر والأشياء في عالم النفس والطبيعة والكون..
ومن هنا كان البحث الذي يستهدف إشباع نهم الإنسان من العلم والمعرفة، ويساعد على استكشاف العوالم المخفيّة عليه، عملا مشروعا بل ممدوحا عقلا وشرعا.
وفي هذا الإطار يأتي مشروع هذه الرحلة الاستكشافية الفريدة ،كخطوة بسيطة ربّما تُضاف إلى جهود الإنسان ومحاولاته المستمرّة والدؤوبة في التعرّف على بعض العوالم المخفيّة عنه ،ومنها عالم الجنّ والشياطين ، الذي لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض واللبس إلى الدرجة التي نسجت من حوله القصص الغريبة والأساطير..
على أنّ هذا البحث لم يأت من فراغ ،ولا لملأ وقت ،ولا طلبا لمجد، ولا جريا وراء شهرة ،ولا بحثا عن تميّز بالخروج عن المألوف...
وإنّما هو عبارة عن قصّة لرحلة حقيقية واقعية لا متخيّلة ولا متوهّمة ولا مختلقة، وإنّما هي من صميم الواقع المعاش..ولا يخدش في ذلك غرابتها ولا كيفيّتها ولا ما انتهت إليه..وإنّما العبرة في نتيجتها و قيمتها العلميّة والمعرفيّة وما يمكن أن تضيفه على هذا الصعيد.
هذا ولا يظنّن ظان بأنّي قد قصدت هذه الرحلة أو خططت لها أو سعيت وراءها أو بحثت عنها ، وإنّما العكس هو الصحيح، (كما سيتبين لاحقا)،فهي التي اقتحمتني واستولت عليّ واستهلكتني واستغرقت مرحلة هامّة من عمري( أكثر من 10 سنوات)، ولا زالت مستمرّة ولا أدري متى وكيف وأين وبأي ثمن ستنتهي...؟؟؟
هذه الأسطر المتواضعة إذن، ليست قصة أو أقصوصة من صنع الوهم أو من نسج الخيال،بل هي رحلة حقيقية من صميم الواقع .ولا تختلف في ذلك عن أي رحلة استكشافية أخرى لا من حيث الهدف ولا من حيث الوسائل والأدوات.
ولقائل أن يقول:
وما حاجتنا لمثل هذه البحوث ..؟ 
ألا يعد ذلك ضربا من ضروب (الرجم بالغيب)أو بابا من أبواب الترف (الفكري)..أو نوعا من أنواع اللهو ؟ ..ثم ألا يوجد نهي شرعي عن ولوج مثل هذه العوالم..؟..وعلى افتراض عدم وجوده، ما هي الثمرة والفائدة المتوخاة من ورائه...؟
وللجواب على ذلك، أقول:
1-    بأنه ما من نهي شرعي وارد في المقام،وإنما النهي ورد حول أمور أخرى كالشعوذة والسحر والتنجيم، وكل ما يؤدي إلى الشرك والاستعانة بغير الله عز وجل.
2-    ثم إن من أهداف هذا البحث، إزالة اللبس والغموض الذي اكتنف هذا العالم ومحاولة إظهاره بصورة واضحة جلية، أقرب ما تكون إلى الحقيقة، لأن الجهل به قد أدى إلى نتائج سلبية عديدة،منها:
انتشار الأساطير والسحر والشعوذة على نطاق واسع.
وقوع الخلط والاشتباه بين عالمي الجن والشياطين والنظر إليهما وكأنهما شيئا واحدا،في حين أن المسافة بينهما لا تقل عن المسافة بين الإنس والجن وعالميهما.
النظر إلى الموضوع بتطرف تراوح بين الإفراط والتفريط، أو بين التصديق المبالغ فيه والتكذيب. في حين أن خير الأمور الوسط  (وهذا ما سنحاول إثباته في هذا البحث إن شاء الله تعالى).
 إن أهم ما يميز هذه الرحلة العلمية والمعرفية، هو:
- عفويتها، لأنها لم تأت نتيجة تخطيط أو اهتمام خاص أبديته تجاه هذا العالم وأهله، بل بالعكس، فلقد كانت اهتماماتي بعيدة كل البعد عن هكذا مواضيع..
ورغم ذلك فلقد وجدت نفسي في خضم رحلة إسكشافية عجيبة لم أخطط لها ولم أفكر في خوضها يوما من الأيام..
-   صدقيتها،إذ أن كل ما ورد فيها هو من صميم الواقع والحقيقة.ولم أتصرّف سوى في بعض الأسماء والأماكن حفاظا على خصوصيات أصحابها وحرصا على حساسية مكانتهم وموقعهم من عالمهم..
-   بساطتها، إذ أنني لم أستعمل فيها الأساليب الأدبية الجميلة ولا المحسّنات البديعية الخلابة ولا الكلمات الفخمة و الفضفاضة.بل حرصت على أن تكون الألفاظ قليلة، بسيطة، وافية بالمعنى، دون السقوط في الإطناب الممل أو الإيجاز المخل..
يتكوّن هذا البحث من قسمين:
الأول: عبارة عن مدخل نظري يتضمّن دراسة حول عالم الجن والشياطين بين الفلسفة والعلم والدين.
والثاني: (وهو جوهر الموضوع) عبارة عن سياحة في عالم الجنّ، تتضمّن تفاصيل وافية عن الرحلة وحيثيّاتها و نتائجها.
وهكذا فإنّ البحث بشقيّه النظري والعملي يّشكّل وحدة موضوعيّة متكاملة تسعى إلى التعرّف على هذا العالم الغريب والعجيب باستعمال الأدوات المعرفيّة المقبولة عقلا ونقلا.
على أنّني لا أدّعي فيما توصّلت إليه ولا في ما جمعت من حقائق حول هذا العالم ، أنّي قد أصبت كبد الحقيقة أو جوهر المعرفة ،أو أنّي قمت بعمل غير مسبوق، وإنّما هي محاولة متواضعة قد تخطأ وقد تصيب ، ولكن يشفع لها صدقها وحرصها على تقديم أكبر قدر من الإضافة حول هذا الموضوع المثير لأنواع القصص الخيالية والأساطير..
وأنا لم أقصد فيما ذهبت إلى التشجيع أو الترويج لهذا النوع من البحوث أو اللون من المواضيع، إذ أنّ للأمّة من الهموم والمشاكل والشواغل ،ما يكفيها وربما يغنيها حتى عن التفكير في أوضح الواضحات ممّا بين أيديها وما خلفها ، ممّا يقع تحت طائلة حواسّها ، فضلا عمّا خلف ذلك ..!
على أنّني لا أقول بأنّ مثل هذه البحوث لا طائل من ورائها ولا فائدة ترجى، لأنّها لا تقدّم لنا ثمرة عمليّة نستفيدها في حياتنا الكأداء المليئة بالهموم وألوان التحديات، بل بالعكس ،وكما سيظهر في طيات الرحلة، أنّها ستثبت بأنّنا لسنا وحدنا في هذا العالم وإنّما لنا شركاء وجيران نتقاسم معهم الآمال والآلام وحتى الهموم والتحديات وتجمعنا بهم وحدة المصدر والمصير..
وأخيرا أتمنى لكم متابعة طيّبة لهذه الرحلة العجيبة التي أرجو أن تنال إعجابكم ورضاكم..
كما أنّني أسجّل هنا امتناني ، سلفا، لجميع من يرشدني لما في هذا البحث من مآخذ ونواقص وهنات ورحم الله إمرء أهدى إليّ عيوبي .. ولاحول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم..

ملاحظة: البحث لا يزال في طور الإنجاز، ولكن رغبت في نشر هذه المقدمة لسببين أو غرضين على الأقل:
1- حتى أحفّز نفسي وأستعجلها بل وأحرجها للإسراع في إتمام هذا البحث.
2- لمعرفة آراء القرّاء وردود أفعالهم، ممّا قد يثنيني أو يشجعني على المضي في إتمام هذا المشروع.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق